الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ }

{ يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ } ، إن عصاه ولم يعبده، { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } ، إن أطاعه وعبده، { ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلْبَعِيدُ } ، عن الحق والرشد. { يَدْعُواْ لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } ، هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة: أولها قالوا: قد قال الله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " ، وقال هاهنا: " لمن ضره أَقرب } ، فكيف التوفيق بينهما. قيل قوله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " أي: لا يضره ترك عبادته. وقوله: " لَمَنْ ضَرُّه أَقربُ " أي: ضر عبادته. فإن قيل: قد قال " لَمَنْ ضرُّه أقربُ من نفعه " ولا نفع في عبادة الصنم أصلاً؟. قيل: هذا على عادة العرب، فإنهم يقولون لِما لا يكون أصلاً: بعيدٌ، كقوله:ذَٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ق: 3] أي: لا رجع أصلاً، فلما كان نفع الصنم بعيداً، على معنى: أنه لا نفع فيه أصلاً، قيل: ضربه أقرب، لأنه كائن. السؤال الثالث: قوله: { لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ } ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هي صلة، مجازها: يدعو من ضره أقرب، وكذلك قرأها ابن مسعود. وقيل: " لمن ضره " أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه. وقيل: " يدعو " بمعنى يقول: والخبر محذوف، أي يقول: لمن ضره أقرب من نفعه هو إله. وقيل: معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو، فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب، ثم يحذف الأخير جاز. وقيل: على التوكيد، معناه: يدعو والله لَمَنْ ضره أقرب من نفعه. وقيل: " يدعو من " صلة قوله: " ذلك هو الضلال البعيد " يقول: ذلك هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: " لمنْ ضره أقرب من نفعه " فيكون " من " في محل رفع بالابتداء وخبره: " لبئس المولى " ، أي الناصر. وقيل: المعبود. " ولبئس العشير " ، أي: الصاحب والمخالط، يعني: الوثن، والعرب تسمي الزوج عشيراً لأجل المخالطة.