الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وَأَدْخَلْنَـٰهُمْ فِى رَحْمَتِنَا } ، يعني ما أنعم الله عليهم من النبوة وصيرهم إليه في الجنة من الثواب، { إِنَّهُم مِّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }. قوله عز وجل: { وَذَا ٱلنُّونِ } ، أي: اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى، { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } ، اختلفوا في معناه: فقال الضحاك: مغاضباً لقومه، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس، قال: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطاً ونصف، فأوحى الله إلى شعياء النبي أنْ سرْ إلى حزقيل الملك، وقل له حتى يوجه نبياً قوياً فإني ألقي الرعب في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك فمن ترى، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال يونس: إنه قوي أمين فدعا الملك يونس فأمره أن يخرج، فقال له يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا، قال: فهل سماني لك؟ قال: لا، قال: فهاهنا غيري أنبياء أقوياء، فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضباً للنبي وللملك، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه. وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة: ذهب عن قومه مغاضباً لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعدما أوعدهم، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب، وكان غضبه أنفة من ظهور خلف وعده، وأنه يسمى كذاباً لا كراهية لحكم الله تعالى. وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد، فغضب، والمغاضبة هاهنا من كالمفاعلة التي تكون من واحد، كالمسافرة والمعاقبة، فمعنى قوله مغاضباً أي غضبان. وقال الحسن: إنما غضب ربَّه عزّ وجلّ من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه، فسأل ربّه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلاً يلبسها فلم ينظر، وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضباً. وعن ابن عباس، قال: أتى جبريل يونس فقال: انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم، قال: ألتمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك، فغضب فانطلق إلى السفينة. وقال وهب بن منبه: إن يونس بن متى كان عبداً صالحاً وكان في خلقه ضيق، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يديه، وخرج هارباً منها، فلذلك أخرجه الله من أُولي العزم من الرسل وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 35]، وقال:وَلاَ تَكُن كَصَـٰحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم: 48]. قوله عز وجل: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } ، أي لن نقضي عليه بالعقوبة، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي، وهو رواية العوفي عن ابن عباس يقال: قدَّر الله الشيءَ تقديراً وقَدَر يَقْدُر قدْراً بمعنى واحد، ومنه قوله:

السابقالتالي
2