الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } * { وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ }

{ وَلُوطاً آتَيْنَـٰهُ } ، أي وآتينا لوطاً، وقيل: واذكر لوطاً آتيناه، { حُكْماً } ، يعني: الفصل بين الخصوم بالحق، { وَعِلْماً } ، { وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَـٰئِثَ } ، يعني: سدوماً وكان أهلها يأتون الذكران في أدبارهم ويتضارطون في أنديتهم مع أشياء أخر، كانوا يعملون من المنكرات، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَـٰسِقِينَ }. { وَأَدْخَلْنَـٰهُ فِى رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ }. { وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ } ، دعا، { مِن قَبْلُ } ، أي من قبل إبراهيم ولوط، { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } ، قال ابن عباس: من الغرق وتكذيب قومه. وقيل: لأنه كان أطول الأنبياء عمراً وأشدهم بلاء، والكرب أشد الغم. { وَنَصَرْنَـٰهُ } ، منعناه، { مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـآيَـٰتِنَا } ، أن يصلوا إليه بسوء. وقال أبو عبيدة: أي على القوم، { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ }. قوله عز وجل: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ } ، اختلفوا في الحرث، قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم وأكثر المفسرين: كان الحرث كرماً قد تدلّت عناقيدُه. وقال قتادة: كان زرعاً، { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } ، أي رعته ليلاً فأفسدته، والنفش: الرعي بالليل والهمل بالنهار وهما الرعي بلا راع، { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَـٰهِدِينَ } ، أي: كان ذلك بعلمنا ومرأى منّا لا يخفى علينا علمه. قال الفراء: جمع اثنين، فقال لحكمهم وهو يريد داود وسليمان لأن الإثنين جمع وهو مثل قوله:فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُِمِّهِ ٱلسُّدُسُ } [النساء: 11]، وهو يريد أخوين. قال ابن عباس وقتادة والزهري: وذلك أن رجلين دخلا على داود أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاب الزرع: إن هذا انفلتت غنمه ليلاً ووقعت في حرثي فأفسدته فلم يبقَ منه شيء، فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث، فخرجا فمرا على سليمان فقال: كيف قضىٰ بينكما فأخبراه، فقال سليمان: لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا. وروي أنه قال غير هذا أرفق بالفريقين فأخبر بذلك داود فدعاه فقال كيف تقضي؟ ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، قال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث ينتفع بدرها ونسلها وصوفها ومنافعها ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته يوم أُكل دُفع إلى أهله، وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود القضاء ما قضيت وحكم بذلك. وقيل: إن سليمان يوم حكم كان ابن إحدى عشرة سنة، وأما حكم الإِسلام في هذه المسألة أن ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها، وما أفسدت بالليل ضمنه ربها لأن في عرف الناس أن أصحاب الزرع يحفظونه بالنهار، والمواشي تسرح بالنهار وترد بالليل إلى المراح. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن حرام بن سعد بن محيصة " أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمانه على أهلها " وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما أتلفت ماشيته ليلاً كان أو نهاراً.