الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } ، قال بعض أهل العلم: إنّ هاهنا بمعنى: إلاَّ الذين سبقت لهم منّا الحسنى، يعني السعادة والعِدَة الجميلة بالجنة، { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } ، قيل: الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة. وقال أكثر المفسرين: عنىٰ بذلك كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وصناديد قريش في الحطيم وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً فعرض له النضر بن الحارث، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ثم تلا عليه: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } ، الآيات الثلاثة، ثم قام فأقبل عبد الله بن الزبعري السهمي فأخبره الوليد بن المغيرة بما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبد الله: أمَا والله لو وجدته لخصمته، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ابن الزبعري: أنت قلت: " إنكم وما تعبدون من دون الله حضب جهنم "؟ قال: نعم، قال: أليست اليهود تعبد عزيراً والنصارى تعبد المسيح، وبنو مليح يعبدون الملائكة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هم يعبدون الشياطين فأنزل الله عزّ وجلّ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } ، يعني عزيراً والمسيح والملائكة، { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } ، وأنزل في ابن الزبعري:هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } [الزخرف: 58]. وزعم جماعة أن المراد من الآية الأصنام، لأن الله تعالى قال: { وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، ولو أراد الملائكة والناس لقال ومن تعبدون من دون الله. { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } ، يعني صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة، والحسّ والحسيس: الصوت الخفي: { وَهُمْ فِى مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَـٰلِدُونَ } ، مقيمون كما قال:وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [الزخرف:71].