الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ }

{ فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ } ، قرأ أبو عمرو: { فٱجْمَعُوا } بوصل الألف وفتح الميم، من الجمع، أي لا تَدَعوا شيئاً من كيدكم إلا جئتم به، بدليل قوله: " فجمع كيده " ، وقرأ الآخرون بقطع الألف وكسر الميم فقد قيل: معناه الجمع أيضاً، تقول العرب: أجمعتُ الشيء وجمعتُه بمعنىً واحد. والصحيح أن معناه العزم والإِحكام، أي: اعزموا كلكم على كيده مجتمعين له، ولا تختلفوا فيختل أمركم. { ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً } أي جميعاً، قاله مقاتل والكلبي، وقال قوم: أي مصطفين مجتمعين ليكون أشدَّ لهيبتكم، وقال أبو عبيدة: الصف المجمع، ويسمى المصلّى صفاً. معناه: ثم ائتوا المكان الموعود. { وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } ، أي: فاز مَنْ غلب. { قَالُواْ } ، يعني السحرة، { يَا مُوسَىٰ إِمّا أَن تُلْقِيَ } ، عصاك، { وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } عصاه. { قَالَ } ، موسى: { بَلْ أَلْقُواْ } ، أنتم أولاً، { فَإِذَا حِبَالُهُمْ } ، وفيه إضمار، أي فألقَوا فإذا حبالهم، { وَعِصِيُّهُمْ } ، جمع العصا، { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ } ، قرأ ابن عامر ويعقوب " تخيل " بالتاء رداً إلى الحبال والعصي، وقرأ الآخرون بالياء ردوه إلى الكيد والسحر، { مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }. وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصيَّ أخذوا أعين الناس، فرأى موسى والقوم كأنَّ الأرض امتلأت حيَّات، وكانت قد أخذت ميلاً من كل جانب ورأوا أنها تسعى. { فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } ، أي وجد، وقيل: أضمر في نفسه خوفاً، واختلفوا في خوفه: طبع البشرية، وذلك أنه ظن أنها تقصده. وقال مقاتل: خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكُّوا في أمره فلا يتبعوه.