الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }

{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } ، مكره وحيلته وسحرته، { ثُمَّ أَتَىٰ } ، الميعاد. { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ } ، يعني: للسحرة الذين جمعهم فرعون، وكانوا اثنين وسبعين ساحراً، مع كل واحد حبل وعصا. وقيل: كانوا أربعمائة. وقال كعب: كانوا اثني عشر ألفاً. وقيل: أكثر من ذلك. { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص: { فيُسحتكم } بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الياء والحاء وهما لغتان. قال مقاتل والكلبي: فيهلككم. وقال قتادة: فيستأصلكم، { وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ }. { فَتَنَـٰزَعُوۤاْ أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ } ، أي: تناظروا وتشاوروا، يعني السحرة في أمر موسى سراً من فرعون. قال الكلبي: قالوا سراً: إن غلَبَنَا موسى اتبعناه. وقال محمد بن إسحاق: لما قال لهم موسى: لا تفتروا على الله كذباً، قال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر. { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } ، أي المناجاة، يكون مصدراً واسماً، ثم { قَالُوۤاْ } ، وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون، { إِنْ هَـٰذَٰنِ لَسَاحِرَٰنِ } ، يعني موسى وهارون. وقرأ ابن كثير وحفص: { إنْ } بتخفيف النون، { هذان } أي ما هذان إلا ساحران، كقوله:وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ } [الشعراء: 186]، أي ما نظنك إلاَّ من الكاذبين، ويُشَدِّد ابن كثير النون من { هذانّ }. وقرأ أبو عمرو { إنَّ } بتشديد النون { هذين } بالياء على الأصل. وقرأ الآخرون: { إنَّ } بتشديد النون، { هذان } بالألف، واختلفوا فيه: فروىٰ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أنه خطأ من الكاتب. وقال قوم: هو لغة الحارث بن كعب، وخثعم، وكنانة، فإنهم يجعلون الاثنين في موضع الرفع والنصب والخفض بالألف، يقولون: أتاني الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، فلا يتركون ألف التثنية في شيء منها، وكذلك يجعلون كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً، كما في التثنية، يقولون: كسرت يداه وركبت علاه، يعني يديه وعليه. وقال شاعرهم:
تزود مني بين أذناه ضربة   دعته إلى هابي التراب عقيم
يريد بين أذنيه. وقال آخر:
إِنَّ أَبَاهَا وأَبَا أَبَاهَا   قَدْ بَلَغَا فِي المَجْدِ غَايَتَاهَا
وقيل: تقدير الآية: إنه هذان، فحذف الهاء. وذهب جماعة إلى أن حرف " أن " هاهنا بمعنى نعم، أي نعم هذان. روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إِنَّ وصاحبها، أي: نعم. وقال الشاعر:
بَكَرَتْ عليَّ عَواذِلي   يَلْحِيْنَنِي وَأَلُومُهُنَّهّ
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قد عَلاَ   ك وقد كَبُرْتَ فقلتُ إِنَّهْ
أي: نعم. { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم } ، مصر، { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } ، قال ابن عباس: يعني بسراة قومكم وأشرافكم، يقال: هؤلاء طريقة قومهم أي أشرافهم، { ٱلْمُثْلَىٰ } تأنيث " الأمثل " ، وهو الأفضل، حدَّث الشعبي عن علي، قال: يَصْرِفان وجوهَ الناس إليهما. قال قتادة: طريقتهم الْمُثْلَىٰ يومئذ بنو إسرائيل كانوا أكثرَ القوم عدداً وأموالاً، فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم. وقيل: { بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ }: أي بسُنَّتِكم ودينكم الذي أنتم عليه، و { ٱلْمُثْلَىٰ }: نعت الطريقة، تقول العرب: فلان على الطريقة المُثلى، يعني:على الهدىٰ المستقيم.