الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } * { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى } ، أي اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي، يعني لتنصرف على إرادتي ومحبتي وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته. قال الزجاج: اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي، كأني الذي أقمت بك عليهم الحجة وخاطبتهم. { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـآيَـٰتِى } ، بدلائلي، وقال ابن عباس: يعني الآيات التسع التي بعث بها موسى { وَلاَ تَنِيَا } ، ولا تضعفا، وقال السدي: لا تَفْتُرا. وقال محمد بن كعب: لا تقصرَا، { فِى ذِكْرِى }. { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } ، قرأ أبو عمرو، وأهل الحجاز: " لنفسيَ اذهب " ، " وذكريَ اذهبا " ، وإِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ } [الفرقان: 30]،مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ } [الصف: 6] بفتح الياء فيهن، ووافقهم أبو بكر: " من بعدي اسمه " ، وقرأ الباقون بإسكانها. { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } ، يقول: دارياه وارفقا معه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تعنفا في قولكما. وقال السدي وعكرمة: كنِّياه فقولا يا أبا العباس، وقيل: يا أبا الوليد. وقال مقاتل: يعني بالقول اللين:هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [النازعات: 18-19]. وقيل: أمر باللطافة في القول لما له من حق التربية. وقال السدي: القول الليَّن: أن موسى أتاه ووعده على قبول الإِيمان شباباً لا يهرم، وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت، وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة فأعجبه ذلك وكان لا يقطع أمراً دون هامان، وكان غائباً فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى، وقال أردت أن أقبل منه، فقال له هامان: كنت أرى أن لك عقلاً ورأياً، أنت ربٌّ، تريد أن تكون مربوباً؟ وأنت تُعْبَدُ؟ تريد أن تَعْبُدَ، فقلبه على رأيه. وكان هارون يومئذٍ بمصر، فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحىٰ إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى، فتلقاه إلى مرحلةٍ وأخبره بما أوحى إليه. { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } ، أي: يتعظ ويخاف فيسلم. فإن قيل: كيف قال: { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } وقد سبق عِلْمُه أنه لا يتذكر ولا يسلم؟. قيل: معناه اذهبا على رجاءٍ منكما وطمع، وقضاءُ الله وراء أمركما. وقال الحسين بن الفضل: هو ينصرف إلى غير فرعون، مجازه: لعله يتذكر متذكِّرٌ، ويخشى خاشٍ إذا رأى بِرِّي وألطافي بِمَنْ خلقتُه وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية. وقال أبو بكر محمد بن عمر الوراق: { لعلّ } من الله واجب، ولقد تذكر فرعون وخشى حين لم تنفعه الذكرى والخشية، وذلك حين ألجمه الغرق، قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين. وقرأ رجل عند يحيـى بن معاذ هذه الآية: { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } ، فبكى يحيى، وقال: إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإِله، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإِله؟!