الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } * { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا } أعطينا { مُوسَى الْكِتَـابَ } التوراة، جملة واحدة { وَقَفَّيْنَا } وأتبعنا { مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ } رسولاً بعد رسول { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } الدلالات الواضحات وهي ما ذكر الله في سورة آل عمران والمائدة وقيل: أراد الإِنجيل { وَأَيَّدْنَـاهُ } قوّيناه { بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } قرأ ابن كثير القدس بسكون الدال والآخرون بضمها وهما لغتان مثل الرُّعْب والرُّعُب، واختلفوا في روح القدس، قال الربيع وغيره: أراد بالروح الروح الذي نفخ فيه، والقدس هو الله أضافه إلى نفسه تكريماً وتخصيصاً نحو بيت الله، وناقة الله، كما قال:فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [التحريم: 12]وَرُوحٌ مِّنْهُ } [النساء: 171] وقيل: أراد بالقدس الطهارة، يعني الروح الطاهرة، سمَّى روحه قدساً، لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث، إنما كان أمراً من الله تعالى، قال قتادة والسدي والضحاك: روح القدس جبريل عليه السلام قيل: وصف جبريل بالقدس أي بالطهارة لأنه لم يقترف ذنباً قال الحسن: القدس هو الله وروحه جبريل قال الله تعالى:قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } [النحل: 102] وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام أنه أمر أن يسير معه حيث سار حتى صعد به الله إلى السماء وقيل: سمي جبريل عليه السلام روحاً لَلَطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: روح القدس هو اسم الله تعالى الأعظم به كان يحيي الموتى ويرُي الناس به العجائب، وقيل: هو الانجيل جُعِل له روحاً كما جعل القرآن روحاً لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه سبب لحياة القلوب قال تعالى:وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [الشورى: 52] فلما سمعت اليهود ذكر عيسى عليه السلام قالوا: يا محمد لا مثل عيسى - كما تزعم - عملت، ولا كما تَقُصُّ علينا من الأنبياء فعلت، فأْتِنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقاً. قال الله تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ } يا معشر اليهود { رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ } تكبرتم وتعظمتم عن الإِيمان { فَفَرِيقًا } طائفة { كَذَّبْتُمْ } مثل عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم { وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } أي قتلتم مثل زكريا ويحيى وشعيا وسائر من قتلوه من الأنبياء عليهم السلام { وَقَالُواْ } يعني اليهود { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } جمع الأغلف وهو الذي عليه غشاءٌ، معناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما يقوُل، قاله مجاهد وقتادة، نظيره قوله تعالى:وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ } [فصلت: 5] وقرأ ابن عباس: غُلُف بضم اللام وهي قراءة الأعرج وهي جمع غلاف أي قلوبنا أوعية لكل علم فلا تحتاج إلى علمك قاله ابن عباس وعطاء وقال الكلبي: معناه أوعية لكل علم فلا تسمع حديثاً إلا تعيه إلا حديثك لا تعقله ولا تعيه ولو كان فيه خير لوعتْه وفهمتْه.

السابقالتالي
2