الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { أَفَتَطْمَعُونَ } أفترجون؟ يُريد محمداً وأصحابه { أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } تصدقكم اليهود بما تخبرونهم به { وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ } يعني التوراة { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } يغيرون ما فيها من الأحكام { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } علموه كما غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وآية الرجم { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم كاذبون، هذا قول مجاهد وقتادة وعكرمة والسدي وجماعة، وقال ابن عباس ومقاتل: نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك أنهم لما رجعوا - بعد ما سمعوا كلام الله - إلى قومهم رجع الناس إلى قولهم، وأما الصادقون منهم فأدوا كما سمعوا، وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا، فهذا تحريفهم وهم يعلمون أنه الحق. { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال ابن عباس والحسن وقتادة: يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين { قَالُوۤاْ ءَامَنَّا } كإيمانكم { وَإِذَا خَلاَ } رجع { بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } - كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا وغيرهم من رؤساء اليهود - لأمرهم على ذلك { قَالُوۤاْ: أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } بما قص الله عليكم في كتابكم: أن محمداً حق وقوله صدق. والفتاح القاضي. وقال الكسائي: بما بيَّنه لكم من العلم بصفة النبي صلى الله عليه السلام ونعته، وقال: الواقدي: بما أنزل الله عليكم، ونظيره:لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأعراف: 96] أي أنزلنا، وقال أبو عبيدة: بما منَّ الله عليكم وأعطاكم { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ } ليخاصموكم، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحتجوا بقولكم عليكم فيقولوا: قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثم لا تتبعونه؟ وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاوروهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه حق ثم قال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم { عِندَ رَبِّكُمْ } في الدنيا والآخرة، وقيل: إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله وقال مجاهد: هو قول يهود قريظة قال بعضهم لبعض حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " يا إخوان القردة والخنازير " فقالوا: من أخبر محمداً بهذا؟ ما خرج هذا إلا منكم { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.