الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قوله تعالىٰ: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم } يبست وجفَّتْ، جفاف القلب: خروج الرحمة واللين عنه، وقيل: غَلُظَتْ، وقيل: اسودَّت، { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } من بعد ظهور الدلالات. قال الكلبي: قالوا بعد ذلك: نحن لم نقتله، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك { فَهِىَ } أي في االغلظة والشدة { كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } قيل: أو بمعنى بل وقيل: بمعنى الواو كقوله تعالى:مِاْئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [الصافات: 147] أي: بل يزيدون أو ويزيدون، وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة، لأن الحديد قابل لِلِّين فإنه يليّن بالنار، وقد لاَن لداود عليه السلام، والحجارة لا تلين قط، ثم فضَّل الحجارة على القلب القاسي فقال: { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَـٰرُ } قيل: أراد به جميع الحجارة، وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } أراد به عيوناً دون الأنهار { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ } ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله { مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } وقلوبكم لا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود. فإن قيل: الحجر جماد لا يفهم، فكيف يخشى؟ قيل: الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه. ومذهب أهل السنة والجماعة أن الله تعالىٰ خلق علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقل، لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية كما قال جلَّ ذكره:وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44] وقال:وَٱلطَّيْرُ صَآفَّـٰتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ } [النور: 41]، وقال:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [الحج: 18] الآية، فيجب على المؤمن الإِيمان به ويكل علمه إلى الله سبحانه وتعالىٰ، ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ثبير والكفار يطلبونه فقال الجبل: انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ علي فيعاقبني الله بذلك فقال له جبل حراء: إليَّ يا رسول الله. أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ثنا السيد أبو الحسين محمد بن الحسين العلوي أنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب النيسابوري أنا محمد بن اسماعيل الصائغ أنا يحيى بن أبي بكر أنا إبراهيم ابن طهمان عن سِماكِ بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن " هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن أبي بكر. وصح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال: " هذا جبل يحبنا ونحبه " وروي عن أبي هريرة يقول، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم أقبل على الناس بوجهه وقال:

السابقالتالي
2