الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ قَالُواْ: ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } أسائمةٌ أم عاملة { إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } ولم يقل تشابهت لتذكير لفظ البقر كقوله تعالىٰ:أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [القمر:20]، وقال الزجاج: أي جنس البقر تشابه، أي التبس واشتبه أمره علينا فلا نهتدي إليه { وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } إلى وصفها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " واللَّه لو لم يستثنوا لما بينت لهم إلى آخر الأبد " { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } مذللة بالعمل يقال: رجل ذلول بَيِّن الذل، ودابة ذلول بيِّنَةُ الذل { تُثِيرُ ٱلأَرْضَ } تقبلها للزراعة { وَلاَ تَسْقِى ٱلْحَرْثَ } أي ليست بساقية { مُسَلَّمَةٌ } بريئة من العيوب { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } لا لون فيها سوى لون جميع جلدها قال عطاء: لا عيب فيها، قال مجاهد: لا بياض فيها ولا سواد { قَالُواْ: ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ } أي بالبيان التام الشافي الذي لا إشكال فيه، وطلبوها فلم يجدوا بكمال وصفها إلا مع الفتى فاشتروها بملء مَسْكِها ذهباً، { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } من غلاء ثمنها وقال محمد بن كعب: وما كادوا يجدونها باجتماع أوصافها، وقيل: { وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } من شدة اضطرابهم واختلافهم فيها. قوله عز وجل: { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } هذا أول القصة وإن كان مؤخرةً في التلاوة، واسم القتيل عاميل { فَٱدَّٰرَأْتُمْ فِيهَا } أصله تدارأتم فأدغمت التاء في الدال وأُدخلت الألف، مثل قوله: «ٱثَّاقَلْتُمْ»، قال ابن عباس ومجاهد: معناه فاختلفتم، وقال الربيع بن أنس: تدافعتم، أي يحيل بعضكم على بعض من الدرء وهو الدفع، فكان كل واحد يدفع عن نفسه، { وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ } أي مظهر { مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } فإن القاتل كان يكتم القتل { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ } يعني القتيل { بِبَعْضِهَا } أي ببعض البقرة، واختلفوا في ذلك البعض، فقال ابن عباس رضي الله عنه وأكثر المفسرين: ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو المقتل، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: بعَجْبِ الذنب لأنه أول ما يخلق وآخر ما يبلى، ويُركَّب عليه الخَلْق، وقال الضحاك: بلسانها، وقال الحسين بن الفضل: هذا أدَلُّ بها لأنه آلة الكلام، وقال الكلبي وعكرمة: بفخذها الأيمن، وقيل: بعضو منها لا بعينه، ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالىٰ وأوداجه، أي عروق العنق، تشخب دماً وقال: قتلني فلان، ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث، وفي الخبر: «ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة» وفيه إضمار تقديره: فضرب فحيي { كَذَٰلِكَ يُحْىِ ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ } كما أحيا عاميل، { وَيُرِيكُمْ آيَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } قيل تمنعون أنفسكم من المعاصي. أما حكم هذه المسألة في الإِسلام: إذا وجد قتيل في موضع ولا يعرف قاتله فإن كان ثَمَّ لَوْثٌ على إنسان - واللوث: أن يغلب على القلب صدق المدعي، بأن اجتمع جماعة في بيت أو صحراء فتفرقوا عن قتيل يغلب على القلب أن القاتل فيهم، أو وجد قتيل في محلة أو قرية كلهم أعداء للقتيل لا يخالطهم غيرهم، فيغلب على القلب أنهم قتلوه - فادعى الولي على بعضهم، يحلف المدعي خمسين يميناً على من يدعي عليه، وإن كان الأولياء جماعة تُوزَّع الأيمان عليهم، ثم بعدما حلفوا أخذوا الدية من عاقلة المدعى عليه إن ادعوا قَتْلَ خطأٍ، وإن ادعوا قتل عمد فمن ماله، ولا قود على قول الأكثرين وذهب بعضهم إلى وجوب القود، وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأحمد، وإن لم يكن على المدعى عليه لوث فالقول قول المدعى عليه مع يمينه ثم هل يحلف يميناً واحدة أم خمسين يميناً؟ فيه قولان: أحدهما يميناً واحدة كما في سائر الدعاوى والثاني يحلف خمسين يميناً تغليظاً لأمر الدم، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: لا حكم للوث ولا يزيد بيمين المدعي وقال: إذا وجد قتيل في محلَّة يختار الإِمام خمسين رجلاً من صلحاء أهلها فيحلِّفهم أنهم ما قتلوه ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من سكانها، والدليل على أن البداية بيمين المدعي عند وجود اللوث: ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار

السابقالتالي
2