الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } * { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

قوله تعالىٰ: { وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ } فيما فرض الله عليكم { أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ } أي: ما أوجبتموه أنتم على أنفسكم في طاعة الله فوفيتم به { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ } يحفظه حتى يجازيكم به، وإنما قال: يعلمه، ولم يقل يعلمها لأنه رده إلى الآخر منها كقوله تعالىٰ:وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً } [النساء: 112]، وإن شئت حملته على «ما» كقوله:وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ } [البقرة: 231] ولم يقل بهما { وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ } الواضعين الصدقة في غير موضعها بالرياء أو يتصدقون من الحرام { مِنْ أَنصَارٍ } من أعوان يدفعون عذاب الله عنهم، وهي جمع نصير، مثل شريف وأشراف. قوله تعالىٰ: { إن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَـٰتِ } أي تظهروها { فَنِعِمَّا هِىَ } أي نعمت الخصلة هي و «ما» في محل الرفع «وهي» في محل النصب كما تقول نعم الرجل رجلاً، فإذا عرفت رفعت، فقلت: نعم الرجل زيد، وأصله نعم ما فوصلت، قرأ أهل المدينة غير ورش وأبو عمر وأبو بكر: فنعما بكسر النون وسكون العين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: بفتح النون وكسر العين، وقرأ ابن كثير ونافع برواية ورش ويعقوب وحفص بكسرهما، وكلها لغات صحيحة وكذلك في سورة النساء. { وَإِن تُخْفُوهَا } تسروها { وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ } أي تؤتوها الفقراء في السر { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } وأفضل، وكلٌّ مقبول إذا كانت النية صادقة، ولكن صدقة السر أفضل، وفي الحديث " صدَقة السر تطفيء غضب الرب ". أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو اسحق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمٰن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله تعالىٰ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف اللَّه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ". وقيل: الآية في صدقة التطوع، أما الزكاة المفروضة فالإِظهار فيها أفضل حتى يقتدي به الناس، كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل، والنافلة في البيت أفضل وقيل: الآية في الزكاة المفروضة كان الإِخفاء فيها خيراً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في زماننا فالإِظهار أفضل حتىٰ لا يساء به الظن. قوله تعالىٰ: { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالنون ورفع الراء أي ونحن نكفر، وقرأ ابن عامر وحفص بالياء ورفع الراء، أي ويكفر الله، وقرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بالنون والجزم نسقاً على الفاء التي في قوله «فهو خير لكم» لأن موضعها جزم بالجزاء، وقوله من سيئاتكم قيل «من» صلة، تقديره نكفر عنكم سيئاتكم، وقيل: هو للتحقيق والتبعيض، يعني: نكفر الصغائر من الذنوب، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }.

السابقالتالي
2