الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }

{ ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ } ، لنخرجنّ، { مِن كُلِّ شِيعَةٍ } ، أي: من كل أمة وأهل دين من الكفار. { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } ، عتواً، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني جرأة. وقال مجاهد: فجوراً، يريد: الأعتى فالأعتى. وقال الكلبي: قائدهم ورأسهم في الشر يريد أنه يقدم في إدخال من هو أكبر جرماً وأشد كفراً. وفي بعض الآثار: أنهم يحشرون جميعاً حول جهنم مسلسلين مغلولين، ثم يقدم الأكفر فالأكفر. ورفع { أَيُّهُمْ } على معنى: الذي يقال لهم: أيهم أشد على الرحمن عتياً. وقيل: على الاستئناف، ثم لننزعن [يعمل في موضع " من كل شيعة " ]. { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } ، أي: أحق بدخول النار، يقال: صلي يصلى صِلِيَّاً، مثل: لقي يلقىٰ لِقِيَّاً، وصلى يَصْلِي صُلِيَّاً مثل مضى يمضي مضياً، إذا دخل النار وقاسى حرَّها. قوله عز وجل: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } ، وما منكم إلا واردها، وقيل: القسم فيه مضمر، أي: والله ما منكم من أحد إلا واردها، والورود هو موافاة المكان. واختلفوا في معنى الورود هاهنا، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله: { وَارِدُهَا }: قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين معنى الورود هاهنا هو الدخول، والكناية راجعة إلى النار، وقالوا: النار يدخلها البر والفاجر، ثم ينجي الله المتقين، فيخرجهم منها. والدليل على أن الورود هو الدخول: قول الله عزّ وجلّ حكاية عن فرعون:يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ } [هود: 98]. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرقَ مَاْرَىٰ ابن عباس رضي الله عنهما في الورود، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الدخول. وقال نافع: ليس الورود الدخول، فتلا عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال: يا نافع أما والله أنا وأنت سَنَرِدُها، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله عزّ وجلّ يخرجك منها بتكذيبك. وقال قوم: ليس المراد من الورود الدخول، وقالوا: النار لا يدخلها مؤمن أبداً، لقوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } [الأنبياء: 101-102]، وقالوا: كل من دخلها لا يخرج منها. والمراد من قوله: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُها } ، الحضور والرؤية، لا الدخول، كما قال تعالى:وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } [القصص: 23] أراد به الحضور. وقال عكرمة: الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها. وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } يعني: القيامة، والكناية راجعة إليها. والأول أصح، وعليه أهل السنة، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله عزّ وجل منها أهل الإِيمان، بدليل قوله تعالى: { ثُمَّ نُنَجِّى ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ }