الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } * { فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً }

{ وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ } ، يعني قيل لمريم: حرّكي { بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } ، تقول العرب: هزَّه وهزَّ به، كما يقول: حزّ رأسه وحزّ برأسه، وأَمْدَدَ الحبل وأمدَدَ به، { تُسَـٰقِطْ عَلَيْكِ } ، القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين، أي: تتساقط، فأُدغمتْ إحدى التاءين في السين أي: تسقط عليك النخلة رطباً، وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره. وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تُفاعِل. وتساقط بمعنى أسقط، والتأنيث لأجل النخلة. وقرأ يعقوب: " يساقط " بالياء مشددة ردّه إلى الجذع. { رُطَباً جَنِيّاً } ، مجنياً. وقيل: الجني هو الذي بلغ الغاية، وجاء أوان اجتنائه. قال الربيع بن خُيَثْم: ما للنفساء عندي خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل. قوله سبحانه وتعالى: { فَكُلِى وَٱشْرَبِى } ، أي: فكلي يامريم من الرُّطَبِ، وٱشربي من ماء النهر، { وَقَرِّى عَيْناً } ، أي: طيبي نفساً. وقيل: قري عينك بولدك عيسى. يقال: أقر الله عينك أي: صادف فؤادك ما يرضيك، فتقر عينك من النظر إلى غيره. وقيل: أقر الله عينه: يعني أنامها، يقال: قرّ يقرّ إذا سكن. وقيل: إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد، وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حاراً، فمن هذا قيل: أقرَّ الله عينه وأسخن الله عينه. { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً } ، أي: تري، فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين. معناه: فإما ترين من البشر أحداً فيسألك عن ولدك { فَقُولِىۤ إِنِّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً } ، أي: صمتاً، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه. والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام. قال السدي: كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام، كما يصوم عن الطعام، فلا يتكلم حتى يمسي. وقيل: إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا إشارة. وقيل: أمرها أن تقول هذا القدر نطقاً، ثم تمسك عن الكلام بعده. { فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً } ، يقال: كانت تكلم الملائكة، ولا تكلم الإِنس.