الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً }

قوله عزّ وجلّ: { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ } ، وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون، إذْ خرج عليهم زكريا متغيِّراً لونه فأنكروه، فقالوا: مالك يا زكريا؟ { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ } فأومأ إليهم، قال مجاهد: كتب لهم في الأرض، { أَن سَبِّحُواْ } ، أي: صلُّوا لله، { بُكْرَةً } ، غدوة، { وَعَشِيّاً } ، ومعناه: أنه كان يخرج على قومه بكرةً وعشياً فيأمرهم بالصلاة، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام حتى خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة. قوله عزّ وجلّ: { يَٰيَحْيَىٰ } ، قيل: فيه حذف معناه: ووهبنا له يحيـى وقلنا له: يا يحيـى، { خُذِ ٱلْكِتَـٰبَ } ، يعني التوراة، { بِقُوَّةٍ } ، بجد، { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: النبوّة، { صَبِيّاً } ، وهو ابن ثلاث سنين. وقيل: أراد بالحكم فهم الكتاب، فقرأ التوراة وهو صغير. وعن بعض السلف: من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبياً. { وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا } ، رحمة من عندنا، قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:
تَحنَّنْ عليَّ هَدَاكَ المَلِيْكُ   فإنَّ لكلِّ مقامٍ مَقَالاً
أي: ترحّمْ. { وَزَكَوٰةً } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعني بالزكاة الطاعة والإِخلاص. وقال قتادة رضي الله عنه: هي العمل الصالح، وهو قول الضحاك. ومعنى الآية: وآتيناه رحمة من عندنا وتحنناً على العباد، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملاً صالحاً في إخلاص. وقال الكلبي: يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه. { وَكَانَ تَقِيًّا } ، مسلماً ومخلصاً مطيعاً، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا همّ بها.