الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا } ، قرأ أبو جعفر ونافع وأبو عمرو: بالتشديد هاهنا وفي سورة " التحريم " و " القلم " ، وقرأ الآخرون بالتخفيف، وهما لغتان، وفرق بعضهم فقال: " التبديل ": تغيير الشيء، أو تغيير حاله وعين الشيء قائم، و " الإِبدال ": رفع الشيء ووضع شيء آخر مكانه، { رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـوٰةً } ، أي صلاحاً وتقوى، { وَأَقْرَبَ رُحْماً } ، قرأ ابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب: بضم الحاء، والباقون بجزمها، أي: عطفاً من الرحمة. وقيل: هو من الرَّحِم والقرابة، قال قتادة: أي أوصل للرحم وأبر بوالديه. وقال الكلبي: أبدلهما الله جارية فتزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبياً، فهدىٰ الله على يديه أمة من الأمم. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: أبدلهما الله جارية ولدت سبعين نبياً. وقال ابن جريج: أبدلهما بغلام مسلم. قال مطرف: فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل. ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرضَ أمرؤٌ بقضاء الله تعالى، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضاءه فيما يحب. قوله عزّ وجلّ: { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ } ، وكان اسمهما أصرم وصريم، { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا } ، اختلفوا في ذلك الكنز. روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كان ذهباً وفضة " وقال عكرمة: كان مالاً. وعن سعيد بن جبير: كان الكنز صحفاً فيها علم. وعن ابن عباس: أنه قال كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه: " عجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح! عجباً لمن أيقن بالحساب كيف يغفل! عجباً لمن أيقن بالرزق كيف يتعب! عجباً لمن أيقن بالقدر كيف ينصب! عجباً لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها! لا إله إلا الله محمد رسول الله ". وفي الجانب الآخر مكتوب " أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، خلقت الخير والشر، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه " وهذا قول أكثر المفسرين. وروي أيضاً ذلك مرفوعاً. قال الزجاج: الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال، ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم، وهذا اللوح كان جامعاً لهما. { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحاً } ، قيل: كان اسمه " كاسح " وكان من الأتقياء. قال ابن عباس: حُفِظا بصلاح أبويهما. وقيل: كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء. قال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده، وعترته وعشيرته وأهل دويراتٍ حوله، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم. قال سعيد بن المسيب: إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي.

السابقالتالي
2