الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }

{ وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } ، ذو النعمة { لَوْ يُؤَاخِذُهُم } ، يعاقب الكفار، { بِمَا كَسَبُواْ } ، من الذنوب { لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ } ، في الدنيا، { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } ، يعني البعث والحساب، { لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } ، ملجأً. { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَـٰهُمْ } ، يعني: قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وغيرهم، { لَمَّا ظَلَمُواْ } ، كفروا، { وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا } ، أي: أجلاً، قرأ أبو بكر { لمَهْلَكِهم } بفتح الميم واللام، وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام، وكذلك في النمل «مهلك» أي لوقت هلاكهم، وقرأ الآخرون بضم الميم وفتح اللام أي: لإِهلاكهم. قوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَـٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } ، عامة أهل العلم قالوا: إنه موسى بن عمران. وقال بعضهم: هو موسى بن ميشا من أولاد يوسف. والأول أصح. أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نَْوفَاً البَكَالِيَّ يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أُبيّ بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن موسى قام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا، فعَتَبَ الله عليه، إذْ لم يَرُدَّ العلمَ إليه، فأوحى الله إليه أنَّ لي عبداً بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى: يا ربِّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مِكْتَل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثَمَّ. فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق، وانطلق معه فتاه يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر، فاتخذ سبيله في البحر سَرَبَاً، وأمسك الله تعالى عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد، قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نَصَبَاً، قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أُمِرَ به، وقال له فتاه: أرأيتَ إذْ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت، وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره، واتخذ سبيله في البحر عجباً، قال: فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً، وقال موسى: ذلك ما كنا نبغ. قال: رجعا يقصّان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجَّيً بثوب، فسلَّم عليه موسى، فقال الخضر عليه السلام: وأنّٰى بأرضك السلام، فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: إنك لن تستطيع معي صبراً، يا موسى، إني على علمٍ من علم الله علَّمَنِيْهِ لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم الله علمك الله، لا أعلمُه، فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً، فقال له الخضر: فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أُحْدِث لك منه ذكراً، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرَّت سفينة فكلَّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نَوْلٍ، فلما ركبا في السفينة لم يضح إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة بالقَدُوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نَوْلٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئاً إمراً!، قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيتُ ولا تُرهقني من أمري عُسراً، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كانت الأولى من موسى نسياناً والوسطى شرطاً والثالثة عمداً " ، قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نَقْرَةً فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: أقتلت نفساً زكية بغير نفس؟ لقد جئت شيئاً نكراً، قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً؟ قال: وهذه أشد من الأولى، قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، قد بلغتَ من لَدُنِّي عذراً، فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبَوْا أن يضيفوهما، فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض،فأقامه، قال: كان مائلاً، فقال الخضر بيده فأقامه، فقال موسى: قوم آتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيفونا، لو شئت لاتخذت عليه أجراً، قال: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَدِدْنَا أنَّ موسى كان صبر حتى يُقَصَّ علينا من خبرهما ".

السابقالتالي
2 3