الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً }

{ كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ } ، أي: أعطتْ كلُّ واحدة من الجنتين، { أُكُلَهَا } ، ثمرها تاماً، { وَلَمْ تَظْلِمِ } لم تنقص، { مِّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا } ، قرأ العامة بالتشديد، وقرأ يعقوب بتخفيف الجيم، { خِلاَلَهُمَا نَهَراً } يعني: شققنا وأخرجنا وسطهما نهراً. { وََكَانَ لَهُ } ، لصاحب البستان، { ثَمَرٌ } قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب: { ثَمَر } بفتح الثاء والميم، وكذلك: " بثمرة " ، وقرأ أبو عمرو: بضم الثاء ساكنة الميم، وقرأ الآخرون بضمهما. فمن قرأ بالفتح هو جمع ثَمَرَة، وهو ما تخرجه الشجرة من الثمار المأكولة. ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمَّرة من كل صنف، جمع ثمار. وقال مجاهد: ذهب وفضة. وقيل: جميع الثمرات. قال الأزهري: " الثَّمَرَة " تجمع على " ثَمَر " ، ويجمع " الثَّمَر " على " ثِمار " ، ثم تجمع " الثِّمار " على " ثُمُر ". { فَقَالَ } ، يعني صاحب البستان، { لِصَـٰحِبِهِ } ، المؤمن، { وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } ، يخاطبه ويجاوبه: { أَنَاْ أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } أي: عشيرة ورهطاً. وقال قتادة: خدماً وحشماً. وقال مقاتل: ولداً، تصديقه قوله تعالى:إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا } [الكهف: 39]. { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ } ، يعني الكافر، أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها، { وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } ، بكفره، { قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ } ، تهلك، { هَـٰذِهِ أَبَداً } ، قال أهل المعاني: راقَهُ حُسنها وغرَّتْهُ زهرتُها، فتوهَّم أنها لا تفنى أبداً، وأنكر البعث. فقال: { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً } ، كائنة، { وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّى لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً } ، وقرأ أهل الحجاز والشام هكذا على التثنية، يعني من الجنتين، وكذلك هو في مصاحفهم، وقرأ الآخرون { منها } أي: من الجنة التي دخلها، { مُنقَلَباً } أي: مرجعاً. إن قيل: كيف قال: " ولئن رددت إلى ربي " ، وهو منكر البعث؟ قيل: معناه: ولئن رددت إلى ربي ـ على ما تزعم أنت ـ يعطيني هنالك خيراً منها، فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.