الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }

قوله عزّ وجلّ: { وَٱتْلُ } أي: واقرأ يا محمد، { مَآ أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَـٰبِ رَبِّكَ } ، يعني القرآن، واتبع ما فيه، { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِ } ، قال الكلبي: لا مغيّر للقرآن. وقيل: لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه، { وَلَن تَجِدَ } ، أنت، { مِن دُونِهِ } ، إن لم تتبع القرآن، { مُلْتَحَدًا } ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: حرزاً. وقال الحسن: مدخلاً. وقال مجاهد: ملجأ. وقيل: مَعْدِلاً. وقيل: مهرباً. وأصله من الميل. قوله عزّ وجلّ: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } الآية، نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم، وعنده جماعة من الفقراء، فيهم سلمان وعليه شملةٌ قد عرق فيها، وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم: أمَا يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها، فإن أسلمنا أسلم الناس، وما يمنعنا من اتِّباعك إلا هؤلاء فنحهم عنك حتى نتبعك، أو اجعل لنا مجلساً ولهم مجلساً، فأنزل الله عزّ وجلّ: { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ } ، أي: احبس يا محمد نفسك، { مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَٰوةِ وَٱلْعَشِىِّ } ، طرفي النهار، { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } ، أي: يريدون الله، لا يريدون به عَرَضاً من الدنيا. قال قتادة: نزلت في أصحاب الصُّفَّة، وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع، يصلُّون صلاة وينتظرون أخرى، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أُمرت أن أصبر نفسي معهم " { وَلاَ تَعْدُ } أي: لا تصرف ولا تتجاوز، { عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } ، إلى غيرهم، { تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي: طلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا. { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا } ، أي: جعلنا قلبه غافلاً عن ذكرنا، يعني: عيينة ابن حصن. وقيل: أمية بن خلف، { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } ، أي مراده في طلب الشهوات، { وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } ، قال قتادة ومجاهد: ضياعاً. وقيل: معناه ضيع عمره وعطل أيامه. وقيل: ندماً. وقال مقاتل ابن حيان: سرفاً. وقال الفراء: متروكاً. وقيل باطلاً. وقيل: مخالفاً للحق. وقال الأخفش: مجاوزاً للحد. قيل: معنى التجاوز في الحد، هو قول عيينة: أن أسلمنا أسلم الناس، وهذا إفراط عظيم.