الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً }

قوله تعالى: { وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَـٰهُمْ } ، أي: كما أنمناهم في الكهف وحفظنا أجسادهم من البلٰى على طول الزمان، فكذلك بعثناهم من النومة التي تشبه الموت، { لِيَتَسَآءَلُواْ بَيْنَهُمْ } ، ليسأل بعضهم بعضاً، واللام فيه لام العاقبة، لأنهم لم يبعثوا للسؤال. { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } ، وهو رئيسهم مكسلمينا، { كَمْ لَبِثْتُمْ } ، في نومكم؟ وذلك أنهم استنكروا طول نومهم. ويقال: إنهم راعهم ما فاتهم من الصلاة فقالوا ذلك. { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا } ، وذلك أنهم دخلوا الكهف غدوة فقالوا فانتبهوا حين انتبهوا عشية، فقالوا: لبثنا يوماً، ثم نظروا وقد بقيت من الشمس بقية، فقالوا: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } ، فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظفارهم علموا أنهم لبثوا أكثر من يوم. { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } ، وقيل: إن رئيسهم مكسلمينا لما سمع الاختلاف بينهم قال: دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم، { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ } ، يعني يمليخا. قرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر: بورقكم ساكنة الراء والباقون بكسرهما، ومعناهما واحد، وهي الفضة مضروبةً كانت أو غير مضروبة. { إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ } ، قيل: هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أفسوس فسموها في الإِسلام طرسوس. { فَلْيَنظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَامًا } أي: أحلُّ طعاماً حتى لا يكون من غصْب أو سبب حرام، وقيل: أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم. وقال الضحاك: أطيب طعاماً. وقال مقاتل بن حيان: أجود طعاماً. وقال عكرمة أكثر، وأصل الزكاة الزيادة. وقيل: أرخص طعاماً. { فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ } ، أي: قوت وطعام تأكلونه، { وَلْيَتَلَطَّفْ } ، وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان، { وَلاَ يُشْعِرَنَّ } ، ولا يعلمن، { بِكُمْ أَحَدًا } ، من الناس.