الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً }

قوله تعالى: { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً } أي: قم بعد نومك، والتهجد لا يكون إلا بعد النوم، يقال: تهجد إذا قام بعدما نام، وهجد إذا نام. والمراد من الآية: قيام الليل للصلاة. وكانت صلاة الليل فريضة على النبي صلى الله عليه وسلم في الابتداء، وعلى الأمة، لقوله تعالى:يَٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ قُمِ ٱلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً } [المزمل: 1-2]، ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخاً في حق الأمة بالصلوات الخمس، وبقي الاستحباب: قال الله تعالى:فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [المزمل: 20]، وبقي الوجوب في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث هنّ عليّ فريضة، وهنّ سنة لكم: الوتر والسواك وقيام الليل " قوله عزّ وجلّ: { نَافِلَةً لَّكَ } أي: زيادة لك، يريد: فضيلة زائدة، على سائر الفرائض، فرضها الله عليك. وذهب قوم إلى أن الوجوب صار منسوخاً في حقه كما في حق الأمة، فصارت نافلة، وهو قول مجاهد وقتادة، لأن الله تعالى قال: " نافلة لك " ولم يقل عليك. فإن قيل: فما معنى التخصيص وهي زيادة في حق كافة المسلمين كما في حقه صلى الله عليه وسلم؟. قيل: التخصيص من حيث إن نوافل العباد كفارة لذنوبهم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت نوافله لا تعمل في كفارة الذنوب فتبقى له زيادة في رفع الدرجات. أخبرنا أبو محمد عبدالله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا قتيبة وبشر بن معاذ قالا: حدثنا أبو عوانة عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتتكَّلفُ هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً " أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبدالصمد الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن عبدالله بن أبي بكرة عن أبيه عن عبدالله ابن قيس بن مخرمة أنه أخبره عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأَرْمُقَنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: الليلة، فتوسَّدْتُ عتبته أو فسطاطه، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة.

السابقالتالي
2 3 4 5