الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }

قوله عزّ وجلّ: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ } ، روي عن ابن عباس أنه قال: هو أنهم يأكلون بالأيدي، وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض. وروي عنه أنه قال: بالعقل. وقال الضحاك: بالنطق. وقال عطاء: بتعديل القامة وامتدادها، والدواب منكبَّة على وجوهها. وقيل: بحسن الصورة. وقيل: الرجال باللَّحٰى والنساء بالذوائب. وقيل: بأن سخر لهم سائر الأشياء. وقيل: بأن منهم خير أمة أخرجت للناس. { وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } ، أي: حملناهم في البر على الدواب وفي البحر على السفن. { وَرَزَقْنَـٰهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ } ، يعني: لذيذ المطاعم والمشارب. قال مقاتل: السمن، والزُّبد، والتمر،والحلوى، وجعل رزق غيرهم مالا يخفى. { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } ، وظاهر الآية أنه فضلهم على كثير ممن خلقهم لا على الكل. وقال قوم: فُضِّلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة. وقال الكلبي: فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومَلَك الموت، وأشباههم. وفي تفضيل الملائكة على البشر اختلاف، فقال قوم: فضلوا على جميع الخلق وعلى الملائكة كلهم، وقد يوضع الأكثر موضع الكل كما قال تعالى: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ ٱلشَّيَاطِينُ } إلى قوله تعالى:وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ } [والشعراء: 223] أي: كلهم. وفي الحديث عن جابر يرفعه قال: " لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة: يا ربِّ خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون، فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة، فقال تعالى: لا أجعل مَنْ خلقتُه بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له: كنْ فكان " والأَوْلى أن يقال: عوامُّ المؤمنين أفضل من عوامِّ الملائكة، وخواصُّ المؤمنين أفضل من خواصِّ الملائكة. قال الله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُوْلَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } [البينة: 7]. وروي عن أبي هريرة أنه قال: " المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده ".