الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } * { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً }

في قوله عزّ وجلّ: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } أي: خلقته من طين أنا جئتُ به، وذلك ما رُوي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن الله تعالى بعث إبليس حتى أخذ كفاً من تراب الأرض من عذبها وملحها، فخلق منه آدم، فمَنْ خلَقَه من العذب فهو سعيد، وإن كان ابن كافرين، ومَنْ خلقه من الملح فهو شقي وإن كان ابن نبيين. { قَالَ } ، يعني إبليس: { أَرَأَيْتَكَ } أي أخبِرْني، والكاف لتأكيد المخاطبة، { هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ } أي: فضلته عليّ: { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ } أمهلتني { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي: لأستأصلنّهم بالإِضلال، يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله. وقيل: هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها: إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلاً يقودها، أي: لأقودّنهم كيف شئت. وقيل: لأستولينّ عليهم بالإِغواء، { إِلاَّ قَلِيلاً } ، يعني المعصومين الذين استثناهم الله عزّ وجلّ في قوله:إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } [الحجر: 42]. { قَالَ } الله: { ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ } أي: جزاؤك وجزاء أتباعك، { جَزَاءً مَّوْفُورًا } ، وافراً مكملاً، يقال: وفرته أوفره وفراً. وقوله: { وَٱسْتَفْزِزْ } ، واستخفف واستجهِدْ، { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُم } ، أي: من ذرية آدم، { بِصَوْتِكَ } ، قال ابن عباس وقتادة: بدعائك إلى معصية الله، وكل داع إلى معصية الله فهو من جند إبليس. قال الأزهري: معناه ادعهم دعاء تستفزهم به إلى جانبك، أي: تستخفهم. وقال مجاهد: بالغناء والمزامير. { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } ، قيل: اجمع عليهم مكايدك وخيلك، ويقال: " أجْلَبُوا " ، و " جَلَبُوا " ، إذا صاحوا، يقول: صِحْ بخيلك ورجلك وحُثَّهم عليه بالإِغواء. قال مقاتل: استعن عليهم بركبان جندك ومشاتهم، والخيل: الركبان، والرَّجِل: المشاة. قال أهل التفسير: كل راكب وماشٍ في معاصي الله فهو من جند إبليس. وقال مجاهد وقتادة: إن له خيلاً ورَجِلاً من الجن والإِنس، وهو كل من يقاتل في المعصية، والرَّجْل والرَّجَّالة والرَّاجلة واحد، يقال: رَاجِلٌ ورَجْل،مثل: تاجِر وتَجْر، ورَاكِب ورَكْب. وقرأ حفص ورجِلك بكسر الجيم وهما لغتان. { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ } ، فالمشاركة في الأموال: كل ما أصيب من حرام، أو أنفق في حرام، هذا قول مجاهد والحسن وسعيد بن جبير. وقال عطاء: هو الربا وقال قتادة هو ما كان المشركون يحرمونه من الأنعام كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وقال الضحاك: هو ما كانوا يذبحونه لآلهتهم. وأما المشاركة في الأولاد: رُوي عن ابن عباس: أنها المؤودة. وقال مجاهد والضحاك: هم أولاد الزنا. وقال الحسن، وقتادة: هو أنهم هوَّدوا أولادهم، ونصّروهم ومجَّسُوهم. وعن ابن عباس رواية أخرى: هو تسميتهم الأولاد عبدالحارث وعبد شمس، وعبدالعزى، وعبدالدار، ونحوها.

السابقالتالي
2