الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }

{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي: ربك العالم بمن في السموات والأرض فجعلهم مختلفين في صورهم وأخلاقهم وأحوالهم ومللهم. { وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ } ، قيل جعل أهل السموات والأرض مختلفين كما فضل بعض النبيين على بعض. قال قتادة في هذه الآية: اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وكلّم موسى تكليماً، وقال لعيسى: كن فيكون، وآتى سليمان ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زَبُوراً كما قال: { وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } ، والزبور كتاب علمه الله داود، يشتمل على مائة وخمسين سورة، كلها دعاء وتمجيد وثناء على الله عزّ وجلّ، وليس فيها حرام ولا حلال ولا فرائض ولا حدود. معناه: إنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم وإعطاءَه القرآن؟ وهذا خطاب مع من يقر بتفضيل الأنبياء عليهم السلام من أهل الكتاب وغيرهم. قوله عزّ وجلّ: { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ } ، وذلك أن المشركين أصابهم قحط شديد حتى أكلوا الكلاب والجِيَف، فاستغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم، قال الله تعالى: { قُلِ } للمشركين { ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ } أنها آلهة { فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ } ، القحط والجوع، { عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } ، إلى غيركم، أو تحويل الحال من العسر إلى اليسر. { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ } ، يعني الذين يدعونهم المشركون آلهة يعبدونهم. قال ابن عباس، ومجاهد: وهم عيسى، وأمه، وعزير، والملائكة، والشمس، والقمر، والنجوم، " يبتغون " أي يطلبون إلى ربهم " الوسيلة " ، أي القُرْبة. وقيل: الوسيلة الدرجة العليا، أي: يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا. وقيل: الوسيلة كلُّ ما يتقرب به إلى الله تعالى. وقوله: { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } ، معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به. وقال الزجَّاج: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح، { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } ، جنته، { وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } ، أي يطلب منه الحذر. وقال عبدالله بن مسعود: نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن فأسلم الجنيّون ولم يعلم الإِنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم، فتمسكوا بعبادتهم فعيّرهم الله وأنزل هذه الآية. وقرأ ابن مسعود { أولئك الذين تدعون } بالتاء.