الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } * { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً }

قوله عزّ وجلّ: { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا } ، يحجب قلوبهم عن فهمه والانتفاع به. قال قتادة: وهو الأكنَّة، والمستور بمعنى الساتر كقوله:إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً } [مريم: 61] مفعول بمعنى الفاعل. وقيل: مستوراً عن أعين الناس فلا يرونه. وفسره بعضهم بالحجاب عن الأعين الظاهرة، كما روي عن سعيد بن جبير أنه " لما نزلت: { تبت يدا أبي لهب } جاءت امرأة أبي لهب ومعها حجر، والنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكرٍ، فلم تَرَهُ، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك لقد بلغني أنه هجاني؟ فقال: والله ما ينطق بالشعر، ولا يقوله، فرجعت وهي تقول قد كنت جئت بهذا الحجر لأرضخ رأسه، فقال أبو بكر: ما رأتك يا رسول الله، قال: لا، لم يزل مَلَكٌ بيني وبينها يسترني ". { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } ، أغطية، { أَن يَفْقَهُوهُ } ، كراهية أن يفقهوه. وقيل: لئلا يفقهوه، { وَفِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا } ، ثقلاً لئلا يسمعوه. { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ } ، يعني إذا قلت: لا إله إلا الله في القرآن وأنت تتلوه، { وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ نُفُوراً } ، جمع " نافر " ، مثل: قاعد، وقعود، وجالس، وجلوس، أي نافرين. { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ } ، قيل: " به " صلة، أي: يطلبون سماعه، { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ } ، وأنت تقرأ القرآن، { وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } ، يتناجون في أمرك. وقيل: ذووا نجوى، فبعضهم يقول هذا مجنون، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: شاعر. { إِذْ يَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } ، يعني: الوليد بن المغيرة وأصحابه، { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } ، مطبوبا. وقال مجاهد: مخدوعاً. وقيل: مصروفاً عن الحق. يقال: ما سحرك عن كذا أي ما صرفك؟ وقال أبو عبيدة: أي رجلاً له سحر، والسحر: الرئة، أي: إنه بشر مثلكم معلل بالطعام والشراب يأكل ويشرب. قال الشاعر:
أُرَانَا مُوضِعِيْنَ لحَتْمِ غَيْبٍ   ونُسْحَرُ بالطَّعامِ وبالشَّرَابِ
أي: نغذَّىٰ ونعلل.