الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } * { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً } * { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }

{ ٱنظُرْ } ، يا محمد، { كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ، في الرزق والعمل الصالح يعني: طالب العاجلة وطالب الآخرة، { وَلَلأَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }. { لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ } ، الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره. وقيل: معناه لا تجعل أيها الإِنسان مع الله إِلَهاً آخر، { فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً } ، مذموماً من غير حمد، مخذولاً من غير نصر. قوله عزّ وجلّ: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ } ، وأمر ربك، قاله ابن عباس وقتادة والحسن. قال الربيع بن أنس: وأوجب ربك. قال مجاهد: وأوصى ربك. وحكي عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: ووصّى ربك. وقال: إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافاً. { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } أي: وأمر بالوالدين إحساناً براً بهما وعطفاً عليهما. { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ } ، قرأ حمزة والكسائي بالألف على التثنية فعلى هذا قوله: { أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلاَهُمَا } ، كلام مستأنف، كقوله تعالى:ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [المائدة: 71] وقوله:وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الأنبياء: 3]، وقوله: " الذين ظلموا " ابتداء وقرأ الباقون { يَبْلُغَنَّ } على التوحيد. { فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ } ، فيه ثلاث لغات، قرأ ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب: بفتح الفاء، وقرأ أبو جعفر، ونافع، وحفص بالكسر والتنوين والباقون بكسر الفاء غير منون، ومعناها واحد وهي كلمة كراهية. قال أبو عبيدة: أصل التف والأف الوسخ على الأصابع إذا فتلتها. وقيل: " الأُفّ ": ما يكون في المغابن من الوسخ، و " التفّ ": ما يكون في الأصابع. وقيل: " الأف " وسخ الأذن و " التف " وسخ الأظفار. وقيل: " الأف ": وسخ الظفر، و " التف " ما رفعته بيدك من الأرض من شيء حقير. { وَلاَ تَنْهَرْهُمَا } ، ولا تزجرهما. { وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } ، حسناً جميلاً ليّناً، قال ابن المسيب: كقول العبد المذنب للسيد الفظ. وقال مجاهد: لا تسمّيهما، ولا تكنِّهما، وقل: يا أبتاه، يا أماه. وقال مجاهد: في هذه الآية أيضاً: إذا بلغا عندك من الكبر ما يبولان فلا تتقذرهما، ولا تقل لهما أف حين تميط عنهما الخلاء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً.