الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً } * { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً } * { وَمَنْ أَرَادَ ٱلآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً } * { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً }

قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ } أي: المكذبة، { مِن بَعْدِ نُوحٍ } ، يُخوّف كفار مكة، { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } ، قال عبدالله بن أبي أوفٰى: القَرْنُ مائة وعشرون سنة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول قرن، وكان في آخره يزيد بن معاوية. وقيل: مائة سنة. ورُوي عن محمد بن القاسم عن عبدالله بن بسر المازني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: " سيعيش هذا الغلام قرناً " قال محمد بن القاسم فما زلنا نعدُّ له حتى تم له مائة سنة، ثم مات. قال الكلبي: ثمانون سنة. وقيل: أربعون سنة. { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَـٰجِلَةَ } ، يعني الدنيا، أي: الدار العاجلة، { عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ } ، من البسط والتقتير، { لِمَن نُّرِيدُ } ، أن نفعل به ذلك أو إهلاكه، { ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ } في الآخرة، { جَهَنَّمَ يَصْلَـٰهَا } ، يدخل نارها، { مَذْمُومًا مَّدْحُورًا } ، مطروداً مبعداً. { وَمَنْ أَرَادَ ٱلأََخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا } ، عمل عملها، { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا } ، مقبولاً. { كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاَۤءِ وَهَـٰؤُلاَۤءِ } ، أي: نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة، { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } ، أي: يرزقهما جميعاً ثم يختلف بهما الحال في المآل، { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ } ، رزق ربك، { مَحْظُورًا } ، ممنوعاً عن عباده، فالمراد من العطاء: العطاء في الدنيا وإلا فلا حظَّ للكفار في الآخرة.