الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

قوله عزّ وجلّ: { وَكُلَّ إِنسَـٰنٍ أَلْزَمْنَـٰهُ طَـٰئِرَهُ فِى عُنُقِهِ } ، قال ابن عباس: عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان. وقال الكلبي ومقاتل: خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب به. وقال الحسن: يمنه وشؤمه. وعن مجاهد: ما من مولود إلا في عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد. وقال أهل المعاني: أراد بالطائر ما قضى الله عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة سُمِّي " طائراً " على عادة العرب فيما كانت تتفاءل وتتشاءم به من سوانح الطير وبوارحها. وقال أبو عبيدة والقتيبي: أراد بالطائر حظه من الخير والشر، من قولهم طار سهم فلان بكذا، وخص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق وغيرهما مما يزين أو يشين، فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة إلى الأعناق. { وَنُخْرِجُ لَهُ } ، يقول الله تعالى: ونحن نخرج له، { يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كِتَابًا } ، وقرأ الحسن ومجاهد ويعقوب { ويَخْرُجُ له } بفتح الياء وضم الراء، معناه: ويخرج له الطائر يوم القيامة كتاباً. وقرأ أبو جعفر { يُخْرَج } بالياء وضمها وفتح الراء. { يَلْقَـٰهُ } ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر { يُلَقَّاه } بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف، يعني: يلقى الإِنسان ذلك الكتاب، أي: يؤتاه. وقرأ الباقون بفتح الياء خفيفة أي يراه { مَنشُوراً } ، وفي الآثار: أن الله تعالى يأمر الملك بطي الصحيفة إذا تمّ عمر العبد فلا تنشر إلا في يوم القيامة. { ٱقْرَأْ كِتَـٰبَكَ } ، أي: يقال له: اقرأ كتابك، قوله تعالى: { كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } ، محاسباً. قال الحسن: لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. قال قتادة: سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئاً في الدنيا. { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ } ، لها ثوابه، { وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } ، لأن عليها عقابه. { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } ، أي: لا تحمل حاملة حمل أخرى من الآثام، أي: لا يؤخذ أحد بذنب أحد. { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } ، إقامةً للحجة وقطعاً للعذر، وفيه دليل على أن ما وَجَبَ وَجَبَ بالسمع لا بالعقل.