الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } * { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ }

{ أَلَمْ يَرَوْاْ } ، قرأ ابن عامر، وحمزة، ويعقوب: بالتاء، والباقون بالياء لقوله: " ويعبدون ". { إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ } ، مذللات، { فِى جَوِّ ٱلسَّمَآءِ } وهو الهواء بين السماء والأرض، عن كعب الأحبار أن الطير ترتفع اثنى عشر ميلاً، ولا ترتفع فوق هذا، وفوق الجو السكاك، وفوق السكاك السماء { مَا يُمْسِكُهُنَّ } في الهواء { إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ } التي هي من الحجر والمدر { سَكَنًا } أي: مسكناً تسكنونه، { وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَـٰمِ بُيُوتًا } ، يعني الخيام، والقباب، والأخبية، والفساطيط من الأنطاع والأدم، { تَسْتَخِفُّونَهَا } أي: يخف عليكم حملها، { يَوْمَ ظَعْنِكُمْ } ، رحلتكم في سفركم، قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة، ساكنة العين، والآخرون بفتحها، وهو أجزل اللغتين، { وَيَوْمَ إِقَـامَتِكُمْ } ، في بلدكم لا تثقل عليكم في الحالين. { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ } ، يعني أصواف الضأن، وأوبار الإِبل، وأشعار المعز، والكنايات راجعة إلى الأنعام، { أَثَـٰثاً } ، قال ابن عباس: مالاً. قال مجاهد: متاعاً. قال القتيبي: " الأثاث ": المال أجمع، من الإِبل والغنم والعبيد والمتاع. وقال غيره: هو متاع البيت من الفرش والأكسية. { وَمَتَـٰعاً } ، بلاغاً ينتفعون بها، { إِلَىٰ حِينٍ } يعني الموت. وقيل: إلى حين تبلى. { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَـٰلاً } تستظلُّون بها من شدة الحرّ، وهي ظلال الأبنية والأشجار، { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَـٰناً } ، يعني: الأسراب، والغيران، واحدها كَنٌّ { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } قمصاً من الكتان والقَزّ، والقطن، والصوف، { تَقِيكُمُ } ، تمنعكم، { ٱلْحَرَّ } ، قال أهل المعاني: أراد الحرَّ والبَرْدَ فاكتفى بذكر أحدهما لدلالة الكلام عليه. { وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } ، يعني: الدروع، والبأس: الحرب، يعني: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصيبكم. { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ، تخلصون له الطاعة. قال عطاء الخراساني: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم، فقال: وجعل لكم من الجبال أكناناً، وما جعل لهم من السهول أكثر وأعظم، ولكنهم كانوا أصحاب جبال كما قال: " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها " لأنهم كانوا أصحاب وَبَرٍ وشَعْر، وكما قال:وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ } [النور: 43] وما أنزل من الثلج أكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفون الثلج. وقال: " تقيكم الحرّ " وما تقي من البرد أكثر، ولكنهم كانوا أصحاب حرٍّ.