الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

{ يَتَوَارَىٰ } أي: يختفي، { مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ } ، من الحزن والعار، ثم يتفكر: { أَيُمْسِكُهُ } ، ذكر الكناية رداً على «ما» { عَلَىٰ هُونٍ } أي: هَوانٍ، { أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ } ، أي: يخفيه منه، فيئده. وذلك: أن مضر وخزاعة وتميماً كانوا يدفنون البنات أحياء، خوفاً من الفقر عليهم، وطمع غير الأكفاء فيهن، وكان الرجل من العرب إذا ولدت له بنت وأراد أن يستحييها: ألبسها جُبَّةً من صوف أو شعر، وتركها ترعى له الإِبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها: تركها حتى إذا صارت سداسية، قال لأمها: زيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئر في الصحراء، فإذا بلغ بها البئر قال لها: انظري إلى هذه البئر، فيدفعها من خلفها في البئر، ثم يهيل على رأسها التراب حتى يستوي البئر بالأرض، فذلك قوله عزّ وجلّ: { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ }. وكان صعصعة عمُّ الفرزدق إذا أحسَّ بشيء من ذلك وجّه إلى والد البنت إبلاً يحييها بذلك، فقال الفرزدق يفتخر به.
وَعَمِّي الذي مَنَعَ الوَائِدَاتْ   فأحيا الوَئِيْدَ فلم تُوْأَدِ
{ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ، بئس ما يقضون لله البنات ولأنفسهم البنين، نظيره:أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [النجم:21،22]، وقيل: بئس حكمهم وأد البنات. { لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } ، يعني: لهؤلاء الذين يصفون لله البنات ولأنفسهم البنينَ { مَثَلُ ٱلسَّوْءِ } ، صفة السوء من الاحتياج إلى الولد، وكراهية الإِناث، وقتلهن خوف الفقر، { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } ، الصفة العليا وهي التوحيد وأنه لا إله إلا هو. وقيل: جميع صفات الجلال والكمال، من العلم، والقدرة، والبقاء، وغيرها من الصفات. قال ابن عباس: " مثل السوء ": النار، " والمَثَل الأعلى ": شهادة أن لا إله إلا الله. { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }.