الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }

{ قُلْ نَزَّلَهُ } ، يعني القرآن، { رُوحُ ٱلْقُدُسِ } ، جبريل، { مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } ، بالصدق، { لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } ، أي: ليثبت قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً ويقيناً، { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }. { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ } ، آدمي، وما هو من عند الله، واختلفوا في هذا البشر: قال ابن عباس: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قيناً بمكة، اسمه " بَلْعَام " ، وكان نصرانياً، أعجميَّ اللسان، فكان المشركون يرون رسول الله يدخل عليه ويخرج، فكانوا يقولون إنما يعلمه " بَلْعام ". وقال عكرمة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقرِىء غلاماً لبني المغيرة يقال له: " يعيش " ، وكان يقرأ الكتب، فقالت قريش: إنما يعلمه " يعيش ". وقال الفرَّاء: قال المشركون إنما يتعلم من عايش مملوك كان لحويطب بن عبدالعزى، وكان قد أسلم وحسن إسلامه، وكان أعجمَ اللسان. وقال ابن إسحاق: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام رومي نصراني، عبدٍ لبعض بني الحضرمي، يقال له " جبر " ، وكان يقرأ الكتب. وقال عبدالله بن مسلم الحضرمي كان لنا عبدان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار، ويكنى " أبا فكيهة " ، ويقال للآخر جبر، وكانا يصنعان السيوف بمكة، وكانا يقرآن التوراة والإِنجيل، فربما مرَّ بهما النبي صلى الله عليه وسلم، وهما يقرآن، فيقف ويستمع. قال الضحاك: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آذاه الكفار يقعد إليهما ويستروح بكلامهما، فقال المشركون: إنما يتعلم محمد منهما، فنزلت هذه الآية. قال الله تعالى تكذيباً لهم: { لِّسَانُ ٱلَّذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ } ، أي يميلون ويشيرون إليه، { أَعْجَمِىٌّ } ، " الأعجمي " الذي لا يفصح وإن كان ينزل بالبادية، والعجمي منسوب إلى العجم، وإن كان فصيحاً، والأعرابي البدوي، والعربي منسوب إلى العرب، وإن لم يكن فصيحاً، { وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ } ، فصيح وأراد باللسان القرآن، والعرب تقول: اللغة لسان، وروي أن الرجل الذي كانوا يشيرون إليه أسلم وحسن إسلامه.