{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } ، قرأ حمزة والكسائي " خالق السموات والأرض " وفي سورة النور " خالق كل دابة " مضافاً. وقرأ الآخرون { خلق } على الماضي { والأرض } وكلٌّ بالنصب. { بِٱلْحقِّ } أي: لم يخلقهما باطلاً وإنما خلقهم لأمرٍ عظيم، { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } ، سواكم أَطْوَعَ لله منكم. { وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } ، منيع شديد، يعني أن الأشياء تسهل في القدرة، لا يصعب على الله شيء وإن جلّ وعَظُم. قوله عزّ وجلّ: { وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } أي: خرجوا من قبورهم إلى الله وظهروا جميعاً { فَقَالَ ٱلضُّعَفَاءُ } ، يعني: الأتباع، { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ } ، أي: تكبروا على الناس وهم القادة والرؤساء، { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً } جمع تابع، مثل: حَرَس وحارس، { فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ } ، دافعون، { عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ }. { قَالُواْ } ، يعني القادة المتبوعين: { لَوْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ } ، أي: لو هدانا الله لدعوناكم إلى الهُدى، فلما أضلَّنا دعوناكم إلى الضلالة، { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ، مهرب ولا منجاةٍ. قال مقاتل: يقولون في النار تعالوا نجزع، فيجزعون خمسمائة عام، فلا ينفعهم الجزع، ثم يقولون: تعالوا نصبر، فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم، فحينئذ يقولون: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ }. قال محمد بن كعب القرظبي: بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة. فقال الله تعالى:{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49]، فردت الخزنة عليهم: { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ } فردت الخزنة عليهم:{ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [غافر:50] فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا{ يَٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف:77] سألوا الموت، فلا يجيبهم ثمانين سنة والسنة ستون وثلاثمائة يوماً، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين إنكم ماكثون، فلما يئسوا مما قَبْله قال بعضهم لبعض: إنه قد نزل بكم من البلاء ما ترون فهلموا فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبرَ أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم، فأجمعوا على الصبر، فطال صبرهم ثم جزعوا فنادوا: { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ، أي: من منجا. قال: فقام إبليس عند ذلك فخطبهم. فقال: { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } الآية، فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم فنودُوا:{ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } [غافر: 10] قال فنادوا الثانية:{ فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } فرد عليهم:{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة:12،13] فنادوا الثالثة:{ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } [إبراهيم: 44]، فرد عليهم:{ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } الآيات [إبراهيم: 44]، ثم نادوا الرابعة: { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } فرد عليهم:{ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } الآية [فاطر:37] قال: فمكث عليهم ما شاء الله، ثم ناداهم:{ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } فلما سمعُوا ذلك قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك:{ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ } قال عند ذلك:{ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [المؤمنون: [105 - 108] فانقطع عند ذلك الرجاء والدعاء عنهم، فأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجوه بعض، وأطبقت عليهم النار.