الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ }

قوله: { وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي: استنصروا. قال ابن عباس ومقاتل: يعني الأمم، وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذِّبْنا، نظيره قوله تعالى:وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32]. وقال مجاهد وقتادة: واستفتحوا يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب، كما قال نوح عليه السلام:رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26] وقال موسى عليه السلام:رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [يونس: 88]. { وَخَابَ } ، وخسر. وقيل: هلك، { كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } والجبَّار: الذي لا يرى فوقه أحداً. والجبرية: طلب العلو بما لا غاية وراءه. وهذا الوصف لا يكون إلا لله عزّ وجلّ. وقيل: الجبار: الذي يجبر الخلق على مرادِه، والعنيد: المعاند للحق ومجانبه. قاله مجاهد. وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل: هو المتكبر. وقال قتادة: " العنيدُ ": الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله. { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } أي: أمامه، كقوله تعالى:وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } [الكهف: 79] أي: أمامهم. قال أبو عبيدة: هو من الأضداد. وقال الأخفش: هو كما يقال هذا الأمر من ورائكَ يريد أنه سيأتيك، وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه. وقال مقاتل: " من ورائه جهنم " أي: بعده. { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } أي: من ماءٍ هو صديدٌ، وهو ما يسيل من أبدان الكفار من القَيْح والدم. وقال محمد بن كعب: ما يسيل من فُروج الزُّناةِ، يُسْقَاه الكافر.