الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ } ، من العذاب قبل وفاتك، { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } ، قبل ذلك، { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ } ، ليس عليك إلا ذلك، { وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } ، الجزاء يوم القيامة. قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني: أهل مكة الذين يسألون محمداً صلى الله عليه وسلم الآيات، { أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } ، أكثر المفسرين على أن المراد منه فتح ديار الشرك، فإن ما زاد في ديار الإِسلام فقد نقص من ديار الشرك، يقول: { أَوَلَم يَرَواْ أَنَّا نَأتِى ٱلأَرضَ نَنْقُصُهَا مِن أَطْرَافِهَا } فنفتَحُها لمحمد أرضاً بعد أرض حوالي أرضهم، أفلا يعتبرون؟ هذا قولُ ابن عباس وقتادة وجماعةٍ. وقال قوم: هو خراب الأرض، معناه: أَوَ لَمْ يروا أنا نأتي الأرض فنخربها، ونُهلك أهلَها، أفلا يخافون أن نفعل بهم ذلك؟ وقال مجاهد: هو خراب الأرض وقبض أهلها. وعن عكرمة قال: قبض الناس. وعن الشعبي مثله. وقال عطاء وجماعة: نقصانها موت العلماء، وذهاب الفقهاء. أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أنبأنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتَّخذ الناس رُؤساءَ جُهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضَلُّوا وأَضَلُّوا " وقال الحسن: قال عبدالله بن مسعود: موتُ العالم ثلمةٌ في الإِسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: عليكم بالعلم قبل أن يُقبض وقَبضُه ذهابُ أهله. وقال علي رضي الله عنه: إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كفّ لم تَعُدْ. وقال سليمان: لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخِرُ، فإذا هلك الأولُ قبل أن يتعلّم الآخر هَلكَ الناس. وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك النّاسِ؟ قال: هلاك عُلمائهم. { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } ، لا راد لقضائه، ولا ناقض لحكمه، { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }.