الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

{ وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرَٰتٌ } ، متقاربات يقرب بعضها من بعض، وهي مختلفة: هذه طيبة تنبت، وهذه سبخة لا تنبت، وهذه قليلة الريع، وهذه كثيرة الريع، { وَجَنَّـٰتٌ }: بساتين، { مِّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَٰنٌ } ، رفعها كلها ابن كثير، وأبو عمرو، وحفص، ويعقوب، عطفاً على الجنات، وجرها الآخرون نسقاً على الأعناب. والصنوان: جمع صنو، وهو النخلات يجمعهن أصل واحد. { وَغَيْرُ صِنْوَٰنٍ } ، هي النخلة المنفردة بأصلها. وقال أهل التفسير: صنوان: مجتمع، وغير صنوان: متفرق. نظيره من الكلام: قنوان جمع قنو. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في العباس: " عمّ الرجل صنو أبيه " ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية والجمع إلا في الإِعراب، وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة، وفي الجمع منونة. { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ } ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب { يسقى } بالياء أي يسقى ذلك كله بماء واحد، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: { وجناتٍ } ولقوله تعالى من بعد { بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ } ، ولم يقل بعضه، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نامٍ. { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ } ، في الثمر والطعم. قرأ حمزة والكسائي { ويفضل } بالياء، لقوله تعالى:يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } [الرعد: 2]. وقرأ الآخرون بالنون على معنى: ونحن نفضل بعضها على بعض في الأُكُل، وجاء في الحديث [في قوله]: { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ } ، قال: «الفارسيُّ، والدَّقَلُ، والحلو، والحامض« قال مجاهد: كمثل بني آدم، صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد. قال الحسن: هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم، كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عزّ وجلّ، فسطحها، فصارت قطعاً متجاورةً، فينزل عليها المطر من السماء، فتخرج هذه زهرتها، وشجرها وثمرها ونباتها، وتخرج هذه سَبَخَها وملحها وخبيثها، وكل يُسقَى بماء واحد، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه السلام فينزل من السماء تذكرة فترق قلوب فتخشع، وتقسو قلوب فتلهو. قال الحسن: والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان، قال الله تعالى:وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً } [الإِسراء: 82]. { إِنَّ فِى ذَٰلِكَ } الذي ذكرت { لأَيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.