الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

قوله عزّ وجلّ { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ }: كما أرسلنا الأنبياءَ إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة، { قَدْ خَلَتْ } ، مضت، { مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ } ، لتقرأ، { عَلَيْهِمُ ٱلَّذِىۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }. قال قتادة، ومقاتل، وابن جريج: الآية مدنية نزلت في صُلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عَمرو لمَّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: اكتبْ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، قالوا: لا نعرف الرَّحمنَ إلا صاحب اليمامة - يعنون مسيلمةَ الكذّابَ - اكتب كما كنتَ تكتب: " باسمكَ اللهم " ، فهذا معنى قوله: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ }. والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أنا أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحِجْر يدعُو يا الله يارَحمن، فرجع إلى المشركين فقال: إن محمداً يدعو إلهين يدعو الله، ويدعو إلهاً آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى:قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [الإِسراء: 110]. وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في كفَّار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ قال الله تعالى: { قُلْ } ، لهم يامحمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته، { هُوَ رَبِّى لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } ، اعتمدتُ { وَإِلَيْهِ مَتَابِ } ، أي: توبتي ومرجعي. قوله عزّ وجلّ: { وَلَوْ أَنَّ قُرْءَاناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ } ، الآية. نزلت في نفر من مشركي مكة منهم أبو جهل بن هشام، وعبدالله بن أبي أمية جلسوا خلف الكعبة وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم، فقال له عبدالله بن أبي أمية: إن سرَّك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن فأذهِبْها عنا حتى تنفسخ، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، لنغرس فيها الأشجار ونزرعَ، ونتخذ البساتين، فلستَ كما زعمت بأهون على ربك من داوود عليه السلام حيث سخر له الجبال تُسبح معه، أو سخِّرْ لنا الريحَ فنركبهَا إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجعَ في يومنا، فقد سُخرت الريح لسُليمانَ كما زعمتَ، ولستَ بأهون على ربك من سُليمان، وأحيي لنا جدَّك قُصَيَّاً أو مَنْ شئت من آبائنا وموتانا لنسأله عن أمرك أحقُّ ما تقول أم باطل، فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولستَ بأهون على الله منه.