الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

{ وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } ، على طاعة الله، وقال ابن عباس: على أمر الله عزّ وجلّ. وقال عطاء: على المصائب والنوائب. وقيل: عن الشهوات. وقيل: عن المعاصي. { ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } ، طلب تعظيمه أن يخالفوه. { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } ، يعني يؤدون الزكاةَ. { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } ، رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يدفعون بالصالح من العمل السيءَ من العمل، وهو معنى قوله:إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ } [هود: 114]. وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عملتَ سيئةً فاعملْ بجنبها حسنةً تمحها، السِرُّ بالسرِ والعلانيةُ بالعلانية ". أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالله بن أبي توبة، أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي، أنبأنا عبدالله بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبدالله الخلال، حدثنا عبدالله بن المبارك عن ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب، حدثنا أبو الخير، أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجلٍ كانت عليه درعٌ ضيِّقةٌ قد خنقته، ثم عَمِل حسنة، فانفكَّت عنه حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت أخرى، حتى يخرج إلى الأرض " وقال ابن كيسان: معنى الآية: يدفعون الذنب بالتوبة. وقيل: لا يكافئون الشرَّ بالشرِّ، ولكن يدفعون الشرَّ بالخير. وقال القتيبي: معناه: إذا سُفِهَ عليهم حَلِمُوا، فالسفهُ: السيّئةُ، والحلمُ: الحسنة. وقال قتادة: ردوا عليهم معروفاً، ونظيره قوله تعالى:وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63]. وقال الحسن: إذا حُرِمُوا أعطوا وإذا ظُلِمُوا عَفُوا وإذا قُطِعُوا وصلوا. قال عبدالله بن المبارك: هذه ثمان خلال مشيرةٌ إلى ثمانية أبواب الجنة. { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } ، يعني الجنة، أي: عاقبتهم دار الثواب. ثم بيّن فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ }.