الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ } * { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

{ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْكَبِيرُ } ، الذي كل شيء دونه، { ٱلْمُتَعَالِ } ، المستعلي على كل شيء بقدرته. قوله تعالى: { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ } ، أي: يستوي في علم الله المُسِرُّ بالقول والجاهر به، { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ } ، أي: مستتر بظلمة الليل، { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } ، أي: ذاهب في سربه ظاهر. والسَّرب ـ بفتح السين وسكون الراء ـ: الطريق. قال القتيبي: سارب بالنهار: أي متصرف في حوائجه. قال ابن عباس في هذه الآية: هو صاحب ريبة، مستخفٍ بالليل، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإِثم. وقيل: مستخف بالليل، أي ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء إذا أظهرته، وأخفيته: إذا كتمته. وسارب بالنهار: أي متوارٍ داخل في سرب. { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ } ، أي: لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل. والتعقيب: العود بعد البدء، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقِّب، وجمعه معقِّبة، ثم جمع الجمع معقِّبات، كما قيل: ابناوات سعد ورجالات بكر. أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يَتَعاقَبُون فيكم، ملائكةٌ بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ الفجرِ وصلاةِ الفجرِ وصلاةِ العصر، ثم يَعْرُجُ الذين بَاتُوا فيكم، فيسألُهم ربهم - وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادِي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون وأتيناهم وهم يصلُّون ". قوله تعالى: { مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } ، يعني: من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار، ومن خلفه: من وراء ظهره، { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } ، يعني: بأمر الله، أي: يحفظونه بإذن الله تعالى مالم يجيء المقدور، فإذا جاء المقدور خلوا عنه. وقيل: يحفظونه من أمر الله: أي مما أمر الله به من الحفظ عنه. قال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك موكَّل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإِنس والهوامّ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه. قال كعب الأحبار: لولا أن الله عزّ وجلّ وكَّل بكم ملائكة يَذُبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطَّفكم الجن. وقال عكرمة: الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم. وقيل: الآية في المَلَكَيْن القاعِدَيْن عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات، كما قال الله تعالى:إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } [ق: 17]. وقال ابن جريج: معنى يحفظونه أي: يحفظون عليه أعماله من أمر الله، يعني: الحسنات والسيئات.

السابقالتالي
2 3