الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ ٱلْقَدِيمِ } * { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَٱرْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } * { قَالُواْ يٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } * { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

{ قَالُواْ } ، يعني: أولاد أولاده، { تَٱللَّهِ إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } ، أي: خطئك القديم من ذكر يوسف لا تنساه، والضلال هو الذهاب عن طريق الصواب، فإن عندهم أن يوسف قد مات ويرون يعقوب قد لهج بذكره. { فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلْبَشِيرُ } ، وهو المبشر عن يوسف، قال ابن مسعود: جاء البشير بين يدي العير. قال ابن عباس: هو يهوذا. قال السدي: قال يهوذا: أنا ذهبت بالقميص ملطخاً بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، فأنا أذهب إليه اليوم بالقميص فأخبره أن ولده حي فأفرحه كما أحزنته. قال ابن عباس: حمله يهوذا وخرج حافياً حاسراً يعدو ومعه سبعة أرغفة لم يستوفِ أكلها حتى أتى أباه، وكانت المسافة ثمانين فرسخاً. وقيل: البشير مالك بن ذعر. { أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ } ، يعني: ألقى البشيرُ قميصَ يوسف على وجه يعقوب، { فَٱرْتَدَّ بَصِيراً }. فعاد بصيراً بعدما كان أعمى وعادت إليه قوته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم وسروره بعد الحزن. { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِّىۤ أَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، من حياة يوسف وأن الله يجمع بيننا. ورُوي أنه قال للبشير: كيف تركت يوسف؟ قال: إنه ملك مصر، فقال يعقوب: ما أصنع بالملك على أي دين تركتَه؟ قال: على دين الإِسلام، قال: الآن تمت النعمة. { قَالُواْ يَٰأَبَانَا ٱسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَـٰطِئِينَ } ، مذنبين. { قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّىۤ } ، قال أكثر المفسرين: أخَّر الدعاء إلى السِّحَر، وهو الوقت الذي يقول الله تعالى: " هل من داعٍ فأستجيب له " فلما انتهى يعقوب إلى الموعد قام إلى الصلاة في بالسحر، فلما فرغ منها رفع يديه إلى الله عزّ وجلّ وقال: اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه واغفرْ لأولادي ما أتوا إلى أخيهم يوسف، فأوحى الله تعالى إليه إني قد غفرتُ لك ولهم أجمعين. وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: سوف أستغفرُ لكم ربي يعني ليلة الجمعة. قال وهب: كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة. وقال طاووس: أخر الدعاء إلى السَّحر من ليلة الجمعة فوافق ليلة عاشوراء. وعن الشعبي قال: سوف أستغفرُ لكم ربي، قال: أسأل يوسف إن عفا عنكم استغفرْ لكم ربي، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }. روي أن يوسف كان قد بعث مع البشير إلى يعقوب مائتي راحلة وجهازاً كثيراً ليأتوا بيعقوب وأهله وأولاده، فتهيأ يعقوب للخروج إلى مصر، فخرجوا وهم اثنان وسبعون من بين رجل وامرأة. وقال مسروق: كانوا ثلاثة وتسعين، فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الذي فوقه فخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجنود وركب أهل مصر معهما يتلقون يعقوب، وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على يهوذا فنظر إلى الخيل والناس فقال: يايهوذا هذا فرعون مصر، قال: لا هذا ابنك، فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف يبدأه بالسلام، فقال جبريل: لا حتى يبدأ يعقوب بالسلام، فقال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان. ورُوي أنهما نزلا وتعانقا. وقال الثوري: لما التقى يعقوب ويوسف عليهما السلام عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا، فقال يوسف: يا أبت بكيتَ حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى يابني ولكن خشيتُ أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك.