الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ } * { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِي ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }

قوله عزّ وجلّ: { يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ } ، تخبّروا واطلبوا الخير، { مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ } ، والتحسّسُ بالحاء والجيم لا يبعد أحدهما من الآخر، إلا أن التحسس بالحاء في الخير وبالجيم في الشر، والتحسس هو طلب الشيء بالحاسة. قال ابن عباس: معناه التمسوا { وَلاَ تَيْأَسُواْ } ، ولا تقنطوا { مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ } ، أي: من رحمة الله، وقيل: من فرج الله. { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ }. { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } ، وفيه إضمار تقديره: فخرجوا راجعين إلى مصر حتى وصلوا إليها فدخلوا على يوسف عليه السلام. { قَالُواْ يَٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } ، أي: الشدة والجوع، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } ، أي: قليلة رديئة كاسدة، لا تنفق في ثمن الطعام إلا بتجوز من البائع فيها، وأصل الإِزجاء: السوق والدفع. وقيل: للبضاعة مزجاة لأنها غير نافقة، وإنما تجوز على دَفْعٍ من آخِذِها. واختلفوا فيها، فقال ابن عباس: كانت دراهم رديئة زيوفاً. وقيل: كانت خَلَق الغرائر والحبال. وقيل: كانت من متاع الأعراب من الصوف والأقط. وقال الكلبي ومقاتل: كانت الحبة الخضراء. وقيل: كانت من سويق المُقل. وقيل: كانت الأدم والنعال. { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } ، أي: أعطنا ما كنت تعطينا قَبْلُ بالثمن الجيد الوافي. { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } ، أي: تفضل علينا بما بين الثمنين الجيد والرديء ولا تنقصنا. هذا قول أكثر المفسرين. وقال ابن جريج والضحاك: وتصدق علينا برد أخينا إلينا. { إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى } ، يثيب، { ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }. وقال الضحاك: لم يقولوا إن الله يجزيك لأنهم يعلموا أنه مؤمن. وسئل سفيان بن عيينة: هل حُرمت الصدقة على أحد من الأنبياء سوى نبينا عليه الصلاة والسلام؟ فقال سفيان: ألم تسمع قوله تعالى: { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدِّقِينَ } ، يريد أن الصدقة كانت حلالاً لهم. ورُوي أن الحسن سمع رجلاً يقول: اللهم تصدق علي، فقال: إن الله لا يتصدق وإنما يتصدق من يبغي الثواب، قل: اللهم أعطني أو تفضل عليّ.