الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قَالُواْ } ، يعني: أولاد يعقوب، { تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ } ، أي: لا تزال تذكر يوسف، و { لا } تفتر من حبه، لا محذوفة من قوله: { تَفْتَؤُ } ، يقال: ما فتىء يفعل كذا أي: ما زال كقول امرىء القيس:
فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللَّهِ أَبْرَحُ قائِمَاً   وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكَ وأَوْصَالِي
أي: لا أبرح. { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } ، قال ابن عباس: دفناً. قال مجاهد: الحرض ما دون الموت، يعني: قريباً من الموت. وقال ابن إسحاق: فاسداً لا عقل لك. والحرض: الذي فسد جسمه وعقله. وقيل: ذائباً من الهم. ومعنى الآية: حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبول العقل. وأصل الحرض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن والهرم، أو العشق، يقال: رجل حَرَضٌ وامرأة حَرَضٌ، ورجلان وامرأتان حَرَضٌ، ورجال ونساء كذلك، يستوي فيه الواحد والإِثنان والجمع والمذكر والمؤنث، لأنه مصدر وُضع موضع الاسم. { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَـٰلِكِينَ } ، أي: من الميتين. { قَالَ } يعقوب عليه السلام عند ذلك لما رأى غِلظتُهم { إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } ، والبَثُّ: أشدُّ الحزن، سمي بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه أي يظهره، قال الحسن: بَثِّي أي: حاجتي. ويرُوى أنه دخل على يعقوب جارٌ له وقال: يايعقوب مالي أراك قد تهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف، فأوحى الله إليه: يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرْها لي، فقال: قد غفرتها لك، فكان بعد ذلك إذا سئل قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. ورُوي أنه قيل له: يايعقوب ما الذي أذهب بصرك وقوّس ظهرك؟. قال: أذهب بصري بكائي على يوسف، وقوّس ظهري حزني على أخيه؟ فأوحى الله إليه: أتشكوني؟ فوعزتي وجلالي لا أكشف ما بك حتى تدعوني. فعند ذلك قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، فأوحى الله إليه: وعزتي وجلالي لو كانا ميتين لأخرجتهما لك، وإنّما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيء، وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء، ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع إليه المساكين. فصنع طعاماً ثم قال: من كان صائماً فليفطر الليلة عند آل يعقوب. ورُوي أنه كان بعد ذلك إذا تغدى أمر من ينادي: من أراد الغداء فليأت يعقوب، وإذا أفطر أمر من ينادي: من أراد أن يفطر فليأت يعقوب: فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين. وعن وهب بن منبه قال: أوحى الله تعالى إلى يعقوب: أتدري لِمَ عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة؟ قال: لا يا إلهي، قال: لأنك قد شويت عناقاً وقترت على جارك، وأكلت ولم تطعمه. ورُوي: أن سبب ابتلاء يعقوب أنه ذبح عجلاً بين يدي أمه وهي تخور.

السابقالتالي
2