الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَٱلْعِيْرَ ٱلَّتِيۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }

{ وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا } ، أي: أهلَ القرية وهي مصر. قال ابن عباس: هي قرية من قرى مصر كانوا ارتحلوا منها إلى مصر. { وَٱلْعِيرَ ٱلَّتِىۤ أَقْبَلْنَا فِيهَا } ، أي: القافلة التي كنا فيها. وكان صَحِبَهم قوم من كنعان من جيران يعقوب. قال ابن إسحاق: عرف الأخ المحتبس بمصر أن إخوته أهل تهمة عند أبيهم لِما كانوا يصنعوا في أمر يوسف، فأمرهم أن يقولوا هذا لأبيهم. { وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ }. فإن قيل: كيف استجاز يوسف أن يعمل مثل هذا بأبيه ولم يخبره بمكانه، وحبس أخاه مع علمه بشدة وجد أبيه عليه، وفيه معنى العقوق وقطيعة الرحم وقلة الشفقة؟. قيل: قد أكثر الناس فيه، والصحيح أنه عمل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى، أمره بذلك، ليزيد في بلاء يعقوب فيضاعف له الأجر ويلحقه في الدرجة بآبائه الماضين. وقيل: إنه لم يظهر نفسه لإِخوته لأنه لم يأمن أن يدبروا في أمره تدبيراً فيكتموه عن أبيه، والأول أصح. { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ } ، زيّنت، { أَنفُسُكُمْ أَمْراً } ، وفيه اختصار معناه: فرجعوا إلى أبيهم وذكروا لأبيهم ما قال كبيرهم، فقال يعقوب: { بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً } ، أي: حمل أخيكم إلى مصر لطلب نفع عاجل. { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً } ، يعني: يوسف، وبنيامين، وأخاهم المقيم بمصر. { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ } ، بحزني ووجدي على فقدهم، { ٱلْحَكِيمُ } ، في تدبير خلقه. قوله تعالى: { وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ } ، وذلك أن يعقوب عليه السلام لمّا بلغه خبر بنيامين تتامَّ حزنه وبلغ جهده، وتهيج حزنه على يوسف فأعرض عنهم، { وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ } ، يا حزناه، { عَلَىٰ يُوسُفَ } ، والأسفُ أشدُّ الحزن، { وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ } ، يعني: عُمي بصره. قال مقاتل: لم يبصر بهما ست سنين، { فَهُوَ كَظِيمٌ } ، أي: مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه. قال قتادة: تردد حزنه في جوفه ولم يقل إلاّ خيراً. وقال الحسن: كان بين خروج يوسف من حجر أبيه إلى يوم التقى معه ثمانون عاماً لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله من يعقوب.