الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ } ، أي: أيسوا من يوسف أن يجيبهم إلى ما سألوه. وقال أبو عبيدة: استيأسوا استيقنوا أن الأخ لا يُرد إليهم. { خَلَصُواْ نَجِيّاً } ، أي: خلا بعضهم ببعض يتناجون ويتشاورون لا يخالطهم غيرهم. والنجيُّ يصلح للجماعة كما قال هاهنا ويصلح للواحد كقوله:وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [مريم:52]، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتاً كالعدل والزور، ومثله النجوى يكون اسماً ومصدراً، قال الله تعالى:وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الاسراء:47]، أي: متناجون. وقال:مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ } [المجادلة:7]، وقال في المصدر:إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } [المجادلة:10]. { قَالَ كَبِيرُهُمْ } ، يعني: في العقل والعلم لا في السن. قال ابن عباس والكلبي: هو يهوذا وهو أعقلهم. وقال مجاهد: هو شمعون، وكانت له الرئاسة على إخوته. وقال قتادة والسدي والضحاك: هو روبيل، وكان أكبرهم في السن، وهو الذي نهى الإِخوة عن قتل يوسف. { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً } ، عهداً. { مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ } ، قصّرتم { فِى يُوسُفَ }. واختلفوا في محل { ما } قيل: هو نصب بإيقاع العلم عليه، يعني: ألم تعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. [وقيل: وهو في محل رفع على الابتداء وتم الكلام عند قوله: { مِّنَ ٱللَّهِ } ثم قال { وَمِن قَبْلُ } هذا تفريطكم في يوسف]. وقيل: { ما } صلة، أي: ومن قبل هذا فرطتم في يوسف. { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } ، التي أنا بها وهي أرض مصر، { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِىۤ أَبِىۤ } ، بالخروج منها ويدعوني، { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِى } ، بردِّ أخي إليّ، أو بخروجي وترك أخي. وقيل: أو يحكم الله لي بالسيف فأقاتلهم وأسترد أخي. { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَـٰكِمِينَ } ، أعدل مَنْ فَصَلَ بين الناس.