الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَقَالَ } ، لهم يعقوب: لمَا أرادوا الخروج من عنده، { يَٰبَنِىَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ } ، وذلك أنه خاف عليهم العين لأنهم كانوا أعطوا جمالاً وقوّةً وامتداد قامةٍ، وكانوا ولد رجل واحد، فأمرهم أن يتفرقوا في دخولهم لئلا يصابوا بالعين، فإن العين حق، وجاء في الأثر: " إنّ العينَ تُدخلُ الرجلَ القبرَ والجملَ القدرَ " وعن إبراهيم النخعي: أنه قال ذلك لأنه كان يرجو أن يروا يوسف في التفرق. والأول أصح. ثم قال: { وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ } ، معناه: إن كان الله قضى فيكم قضاء فيصيبكم مجتمعين كنتم أو متفرقين، فإن المقدور كائن والحذر لا ينفع من القدر، { إِنِ ٱلْحُكْمُ } ، ما الحكم، { إِلاَّ لِلَّهِ } ، هذا تفويض يعقوب أموره إلى الله، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } ، اعتمدتُ، { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ }. { وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم } أي: من الأبواب المتفرقة. وقيل: كانت المدينة مدينة الفرماء ولها أربعة أبواب، فدخلوها من أبوابها، { مَّا كَانَ يُغْنِى } ، يدفع { عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ } ، صَدقَ اللَّهُ تعالى يعقوبَ فيما قال، { إِلاَّ حَاجَةً } ، مراداً، { فِى نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَآ } ، أشفق عليهم إشفاق الآباء على أبنائهم وجرى الأمر عليه، { وَإِنَّهُ } ، يعني: يعقوب عليه السلام، { لَذُو عِلْمٍ } ، يعني: كان يعمل ما يعمل عن علم لا عن جهل، { لِّمَا عَلَّمْنَاهُ } ، أي: لتعليمنا إيّاه. وقيل: إنه لعامل بما علم. قال سفيان: من لا يعمل بما يعلم لا يكون عالماً. وقيل: وإنه لذو حفظ لِمَا علّمنَاه. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ما يعلم يعقوب لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم. قال ابن عباس: لا يعلم المشركون ما ألهم الله أولياءه.