الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ٱئْتُونِي بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّيۤ أُوفِي ٱلْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } * { قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ } * { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ ٱجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

فذلك قوله عزَّ وجلّ: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ } ، أي: حمَّل لكل واحد بعيراً بعدتهم، { قَالَ ٱئْتُونِى بِأَخٍ لَّكُمْ مِّنْ أَبِيكُمْ } ، يعني: بنيامين، { أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّىۤ أُوفِى ٱلْكَيْلَ }. أي: أُتمه ولا أبخس الناس شيئاً، فأزيدكم حمل بعير لأجل أخيكم، وأكرم منزلتكم وأحسن إليكم، { وَأَنَاْ خَيْرُ ٱلْمُنْزِلِينَ } ، قال مجاهد: أي خير المضيفين. وكان قد أحسن ضيافتهم. { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِى بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِى } ، أي: ليس لكم عندي طعام أكيله لكم { وَلاَ تَقْرَبُونِ } ، أي: لا تقربوا داري وبلادي بعد ذلك وهو جزم على النهي. { قَالُواْ سَنُرَٰوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ } ، أي: نطلبه ونسأله أن يرسله معنا، { وَإِنَّا لَفَـٰعِلُونَ } ، ما أمرتنا به. { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ } ، قرأ حمزة والكسائي وحفص: { لفتيانه } بالألف والنون، وقرأ الباقون: { لفتيته } بالتاء من غير ألف، يريد لغلمانه، وهما لغتان مثل الصبيان والصبية، { ٱجْعَلُواْ بِضَـٰعَتَهُمْ } ثمن طعامهم وكانت دراهم. وقال الضحاك عن ابن عباس: كانت النعال والأدم. وقيل: كانت ثمانية جرب من سويق المقل. والأول أصحْ { فِى رِحَالِهِمْ } ، أوعيتهم، وهي جمع رحل، { لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَآ إِذَا ٱنْقَلَبُوۤاْ } ، انصرفوا، { إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }. واختلفوا في السبب الذي فعله يوسف من أجله، قيل: أراد أن يريهم كرمه في رد البضاعة وتقديم الضمان في البرّ والإِحسان، ليكون أدعى لهم إلى العود، لعلّهم يعرفونها، أي: كرامتهم علينا. وقيل: رأى لؤماً في أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته مع حاجتهم إليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون تكرُّماً. وقال الكلبي: تخوّف أن لا يكون عند أبيه من الورق ما يرجعون به مرة أخرى. وقيل: فعل ذلك لأنه علم أن ديانتهم تحملهم على ردّ البضاعة نفياً للغلط ولا يستحلون إمساكها.