الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }

{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِىۤ } ، من الخطأ والزلل فأزكيها، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } ، بالمعصية { إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّىۤ } ، أي: إلا من رحم ربي فعصمه، { ما } بمعنى من ـ كقوله تعالى:فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } [النساء:3] أي: مَنْ طاب لكم - وهم الملائكة، عصمهم الله عزّ وجلّ فلم يركِّبْ فيهم الشهوة. وقيل: «إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّىۤ» إشارة إلى حالة العصمة عند رؤية البرهان. { إِنَّ رَبِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، فلما تبين للملك عذر يوسف عليه السلام وعرف أمانته وعلمه: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِى } ، أي: أجعله خالصاً لنفسي، { فَلَمَّا كَلَّمَهُ } ، فيه اختصار تقديره: فجاء الرسول يوسف فقال له: أجب الملك الآن. رُوي أنه قام ودعا لأهل السجن فقال: اللهم عطَّف عليهم قلوب الأخيار، ولا تعمِّ عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في كل بلد، فلما خرج من السجن كتب على باب السجن: هذا قبر الأحياء، وبيت الأحزان، وتجربة الأصدقاء، وشماتة الأعداء. ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثياباً حساناً وقصد الملك. قال وهب: فلما وقف بباب الملك قال: حسبي ربي من دنياي، وحسبي ربي من خلقه، عزّ جارُه، وجلّ ثناؤُه، ولا إله غيره. ثم دخل الدار فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بك من شره وشر غيره. فلما نظر إليه الملك سلّم عليه يوسف بالعربية فقال: له الملك: ما هذا اللسان؟ قال: لسان عمي إسماعيل، ثم دعا له بالعبرانية فقال الملك: ما هذا اللسان؟ قال: هذا لسان آبائي، ولم يعرف الملك هذين اللسانين. قال وهب: وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً فكلما تكلم بلسان أجابه يوسف بذلك اللسان وزاد عليه بلسان العربية والعبرانية، فأعجب الملك ما رأى منه مع حداثة سنه، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة، فأجلسه و، { قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ } ، المكانة في الجاه، { أَمِينٌ } ، أي: صادق. ورُوي أنّ الملك قال له إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاهاً. فقال له يوسف: نعم أيها الملك، رأيتَ سبع بقرات سمان شهب غرٍّ حِسَانٍ، كشفَ لك عنهنَّ النيلُ، فطلعنَ عليك من شاطئه تشخب أخلافهن لبناً، فبينما أنت تنظر إليهن ويعجبك حُسنهنّ إذْ نضبَ النيلُ فغار ماؤه وبدا يبسه، فخرج من حمأته سبع بقراتٍ عجافٍ شُعثٍ غُبرٍ مُتقلّصات البطون، ليس لهن ضروع ولا أخلاف، ولهن أنياب وأضراس وأكف كأكف الكلاب، وخراطيم كخراطيم السباع، فافترسن السمان افتراس السَّبُع، فأكلن لحومهن، ومزّقنَ جلودهنّ، وحطمنَ عظامهنّ، وتمششن مخهن، فبينما أنت تنظر وتتعجب إذ سبع سنابل خضر وسبع أخر سود في منبت واحد عروقهن في الثرى والماء فبينما أنت تقول في نفسك أنى هذا؟ خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات، والمنبت واحد وأصولهنّ في الماء إذْ هَبَّتْ ريحٌ فذرت الأوراق من اليابسات السود على الخضر المثمرات فاشتعلت فيهن النار، فاحترقْنَ فصرن سوداً فهذا ما رأيت، ثم انتبهتَ من نومك مذعوراً.

السابقالتالي
2