الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } * { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا ٱذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } ، أي: من دون الله، وإنما ذُكر بلفظ الجمع وقد ابتدأ الخطاب للاثنين لأنه أراد جميعَ أهل السجن، وكلَّ من هو على مثل حالهما من [أهل] الشرك، { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ } ، آلهةً وأرباباً خالية عن المعنى لا حقيقة لتلك الأسماء، { أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } ، حجة وبرهان، { إِنِ ٱلْحُكْمُ } ، ما القضاء والأمر والنهي، { إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ، المستقيم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ثم فسَّر رؤياهما فقال: { يَٰصَاحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا } ، وهو صاحب الشراب، { فَيَسْقِى رَبَّهُ } ، يعني الملك { خَمْراً } ، والعناقيد الثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعوه الملك بعد الثلاثة أيام، ويرده إلى منزلته التي كان عليها، { وَأَمَّا ٱلأَخَرُ } ، يعني: صاحب الطعام فيدعوه الملك بعد ثلاثة أيام، والسلال الثلاث: الثلاثة أيام يبقى في السجن، ثم يخرجه، { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ }. قال ابن مسعود: لمّا سَمِعَا قولَ يوسفَ قالا: ما رأينا شيئاً إنّما كنّا نلعب، قال يوسف: { قُضِىَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } ، أي: فُرغ من الأمر الذي عنه تسألان، ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتُكما به، رأيتُما أو لم تَرَيا. { وَقَالَ } ، يعني: يوسف عند ذلك { لِلَّذِى ظَنَّ } ، أي: علم { أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } ، وهو الساقي، { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ } ، يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاماً محبوساً ظلماً طال حبسه: { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ، قيل: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك، تقديره: فأنساه الشيطان ذكره لربه. وقال ابن عباس وعليه الأكثرون: أنسى الشيطانُ يوسفَ ذكرَ ربِّه حين ابتغى الفرج، من غيره واستعان بمخلوق، وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان. { فَلَبِثَ } ، فمكث، { فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } ، واختلفوا في معنى البضع، فقال مجاهد: ما بين الثلاث إلى السبع. وقال قتادة: ما بين الثلاث إلى التسع. وقال ابن عباس: ما دون العشرة. وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة. وقال وهب: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وتُرك يوسف في السجن سبع سنين، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين. قال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك، قيل له: يايوسف اتخذتَ من دوني وكيلاً لأطيلنَّ حبسَك، فبكى يوسف، وقال: يارب أنسي قلبي كثرةُ البلوى فقلتُ كلمةً ولن أعود. وقال الحسن: دخل جبريل على يوسف في السجن، فلما رآه يوسف عرفه فقال له: يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين؟ فقال له جبريل: ياطاهر الطاهرين يقرأ عليك السلام ربُّ العالمين، ويقول لك: أما استحييت مني أن استشفعتَ بالآدميين، فوعزتي لألبثنّك في السجن بضع سنين، قال يوسف: وهو في ذلك عنّي راض؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أبالي.

السابقالتالي
2