{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ } ، أي: من دون الله، وإنما ذُكر بلفظ الجمع وقد ابتدأ الخطاب للاثنين لأنه أراد جميعَ أهل السجن، وكلَّ من هو على مثل حالهما من [أهل] الشرك، { إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ } ، آلهةً وأرباباً خالية عن المعنى لا حقيقة لتلك الأسماء، { أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ } ، حجة وبرهان، { إِنِ ٱلْحُكْمُ } ، ما القضاء والأمر والنهي، { إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } ، المستقيم، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } ، ثم فسَّر رؤياهما فقال: { يَٰصَاحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا } ، وهو صاحب الشراب، { فَيَسْقِى رَبَّهُ } ، يعني الملك { خَمْراً } ، والعناقيد الثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعوه الملك بعد الثلاثة أيام، ويرده إلى منزلته التي كان عليها، { وَأَمَّا ٱلأَخَرُ } ، يعني: صاحب الطعام فيدعوه الملك بعد ثلاثة أيام، والسلال الثلاث: الثلاثة أيام يبقى في السجن، ثم يخرجه، { فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ }. قال ابن مسعود: لمّا سَمِعَا قولَ يوسفَ قالا: ما رأينا شيئاً إنّما كنّا نلعب، قال يوسف: { قُضِىَ ٱلأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ } ، أي: فُرغ من الأمر الذي عنه تسألان، ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتُكما به، رأيتُما أو لم تَرَيا. { وَقَالَ } ، يعني: يوسف عند ذلك { لِلَّذِى ظَنَّ } ، أي: علم { أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا } ، وهو الساقي، { ٱذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ } ، يعني: سيدك الملك، وقل له: إن في السجن غلاماً محبوساً ظلماً طال حبسه: { فَأَنْسَاهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ ذِكْرَ رَبِّهِ } ، قيل: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف للملك، تقديره: فأنساه الشيطان ذكره لربه. وقال ابن عباس وعليه الأكثرون: أنسى الشيطانُ يوسفَ ذكرَ ربِّه حين ابتغى الفرج، من غيره واستعان بمخلوق، وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشيطان. { فَلَبِثَ } ، فمكث، { فِى ٱلسِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ } ، واختلفوا في معنى البضع، فقال مجاهد: ما بين الثلاث إلى السبع. وقال قتادة: ما بين الثلاث إلى التسع. وقال ابن عباس: ما دون العشرة. وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين، وكان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة. وقال وهب: أصاب أيوب البلاء سبع سنين، وتُرك يوسف في السجن سبع سنين، وعذب بختنصر فحول في السباع سبع سنين. قال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك، قيل له: يايوسف اتخذتَ من دوني وكيلاً لأطيلنَّ حبسَك، فبكى يوسف، وقال: يارب أنسي قلبي كثرةُ البلوى فقلتُ كلمةً ولن أعود. وقال الحسن: دخل جبريل على يوسف في السجن، فلما رآه يوسف عرفه فقال له: يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين؟ فقال له جبريل: ياطاهر الطاهرين يقرأ عليك السلام ربُّ العالمين، ويقول لك: أما استحييت مني أن استشفعتَ بالآدميين، فوعزتي لألبثنّك في السجن بضع سنين، قال يوسف: وهو في ذلك عنّي راض؟ قال: نعم، قال: إذاً لا أبالي.