الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ }

{ قَالَ رَبِّ } ، أي: يارب، { ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِىۤ إِلَيْهِ } ، قيل: كان الدعاء منها خاصة، ولكنه أضاف إليهن خروجاً من التصريح إلى التعريض. وقيل: إنهن جميعاً دعونه إلى أنفسهن. قرأ يعقوب وحده: السَّجْنُ بفتح السين. وقرأ العامة بكسرها. وقيل: لو لم يقل: السجن أحب إليّ لم يُبْتَلَ بالسجن، والأَوْلى بالمرء أن يسأل الله العافية. قوله تعالى: { وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } ، أَمِلْ إليهن وأتابعهن، يقال: صبا فلان إلى كذا يصبوا صبواً وصُبوّاً وصُبوةً إذا مال واشتاق إليه. { وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } ، فيه دليل على أن المؤمن إذا ارتكب ذنباً يرتكبه عن جهالة. { فَٱسْتَجَابَ لَهُ } أجاب له. { رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ، لدعائه العليم بمكرهن. { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ } ، أي: للعزيز وأصحابه في الرأي، وذلك أنهم أرادوا أن يقتصروا من أمر يوسف على الأمر بالإِعراض. ثم بدا لهم أن يحبسوه. { مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ ٱلأَيَـٰتِ } ، الدالة على براءة يوسف من قَدِّ القميص، وكلام الطفل، وقطع النساء أيديهن وذهاب عقولهن، { لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ } ، إلى مدّة ويرون فيه رأيهم. وقال عطاء: إلى أن تنقطع مقالة الناس. قال عكرمة: سبع سنين. وقال الكلبي: خمس سنين. قال السدي: وذلك أن المرأة قالت لزوجها: إن هذا العبد العبراني قد فضحني في الناس، يخبرهم أني راودتُه عن نفسه، فإما أن تأذن لي فأخرج فأعتذر إلى الناس، وإما أن تحبسه، فحبسهُ، وذُكر أن الله تعالى جعل ذلك الحبس تطهيراً ليوسف عليه السلام من همّه بالمرأة. قال ابن عباس: عثر يوسف ثلاث عثرات حين همّ بها فسجن، وحين قال " اذكرني عند ربك " فلبث في السجن بضع سنين، وحين قال للإِخوة " إنكم لسارقون " ، فقالوا: " إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ".