الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا } ، والهمُّ هو: المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، فهمُّها: عزمُها على المعصية والزنا. وأمّا همُّه: فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حلّ الهميان وجلس منها مجلس الخائن. وعن مجاهد قال: حلّ سراويله وجعل يعالج ثيابه. وهذا قول أكثر المتقدمين مثل سعيد ابن جبير والحسن. وقال الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بإحدى يديه إلى جيد يوسف وباليد الأخرى إلى جيد المرأة حتى جمع بينهما. قال أبو عبيد القاسم بن سلام: قد أنكر قوم هذا القول، والقول ما قال متقدمو هذه الأمة، وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياء عليهم السلام من غير علم. وقال السدي وابن إسحاق: لما أرادت امرأة العزيز مراودة يوسف عليه السلام عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وتشوِّقه إلى نفسها، فقالت: يايوسف ما أحسن شعرك! قال: هو أول ما ينتثر من جسدي. قالت: ما أحسن عينيك! قال: هي أول ما تسيل على وجهي في قبري. قالت: ما أحسن وجهك! قال: هو للتراب يأكله. وقيل: إنها قالت: إن فراش الحرير مبسوط، فقم فاقض حاجتي. قال: إذاً يذهب نصيبي من الجنة. فلم تزل تطمعه وتدعوه إلى اللذة، وهو شاب يجد من شبق الشباب ما يجده الرجل، وهي امرأة حسناء جميلة، حتى لان لها ممَّا يرى من كلفها، وهمَّ بها، ثم إن الله تعالى تدارك عبده ونبيه بالبرهان الذي ذكره. وزعم بعض المتأخرين: أن هذا لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام، قال: تمّ الكلام عند قوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف عليه السلام فقال: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } ، على التقديم والتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ بها، ولكنه رأى البرهان فلم يهم. وأنكره النحاة، وقالوا: إن العرب لا تُؤخّر لولا عن الفعل، فلا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهو يريد لولا زيد لَقُمْتُ. وقيل: همت بيوسف أن يفترشها، وهمّ بها يوسف أي: تمنى أن تكون له زوجة. وهذا التأويل وأمثاله غير مرضية لمخالفتها أقاويل القدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم الدين والعلم. وقال بعضهم: إن القدر الذي فعله يوسف عليه السلام كان من الصغائر، والصغائر تجوز على الأنبياء عليهم السلام. روي أن يوسف عليه السلام لما دخل على الملك حين خرج من السجن وأقرَّتِ المرأة، قال يوسف: { ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } قال له جبريل: ولا حين هممتَ بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } الآية. وقال الحسن البصري: إن الله تعالى لم يذكر ذنوب الأنبياء عليهم السلام في القرآن ليعيَّرهم، ولكن ذكرها ليبيّن موضع النعمة عليهم، ولئلا ييأس أحد من رحمته.

السابقالتالي
2 3